اقتصادي/ الأردن يسير بخطوات كبيرة نحو تعزيز الاقتصاد الدائري لدعم التنمية المستدامة

عمان 06 شعبان 1446 هـ الموافق 05 فبراير 2025 م واس
تقرير وكالة الأنباء الأردنية “بترا” ضمن النشرة الاقتصادية لاتحاد وكالة الأنباء العربية (فانا)
إعداد: عائشة عناني
يسير الأردن بخطوات كبيرة نحو التحول من الاقتصاد القائم على استخراج الموارد وتصنيع المنتجات، والتخلص من مخلّفاتها للاقتصاد الدائري، الذي يعتمد على إعادة استخدام الموارد وتدوير النفايات وإنتاجها من جديد.
ويُشكّل التوجه نحو الاقتصاد الدائري للأردن فرصة واعدة لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة، والإيفاء بالالتزامات البيئية وزيادة النمو الاقتصادي، ورفع القيمة المضافة للإنتاج المحلي، وتوفير فرص عمل جديدة.
ووفق تقرير الإسراع بالانتقال إلى الاقتصاد الدائري في المنطقة العربية، الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، فإن الاقتصاد الدائري هو “اقتصادٌ تبقى فيه المواد والمنتجات قيد الاستخدام ويُساعد في تخفيف الضغوط على النظم الطبيعية مما يتيح تجددها”.
ويرتكز اهتمام وزارة البيئة الأردنية على الاقتصاد الدائري نظرًا لآثاره الإيجابية على البيئة، ولا سيما لجهة تخفيض كميات النفايات من خلال إعادة التدوير أو إعادة الاستخدام وغيرها، وتقليل الغازات الدفيئة المسببة للتغير المناخي، واستغلال الموارد بأقصى درجة، والتوجه نحو الاستهلاك والإنتاج المستدامين.
وقالت وزارة البيئة لوكالة الأنباء الأردنية (بترا): “إن الاقتصاد الدائري يعد مكونًا رئيسًا في جهود الدولة الأردنية بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر، بالتعاون مع الشركاء من القطاعين العام والخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، مشيرة إلى إدماج مفاهيمه في المناهج المدرسية”.
وطورت الوزارة الخطة الوطنية التنفيذية للاقتصاد الأخضر (2021 – 2025)، التي ترتكز على ستة قطاعات رئيسة، هي: الطاقة والمياه، وإدارة النفايات، والزراعة، والسياحة، والنقل، علاوة على ربط جهود العمل المناخي بالاقتصاد الدائري من خلال المشاريع والوثائق المهمة، مثل: وثيقة المساهمات المحددة وطنيًا.
ورخَّصت الوزارة (183) منشأة لإدارة النفايات، منها منشآت خاصة لإعادة التدوير، (8) منها لإعادة تدوير البطاريات، و(12) لإعادة تدوير الزيوت، ومثلها لإعادة تدوير الإطارات.
وأشارت الوزارة إلى تأسيس (34) محطة لجمع النفايات الكهربائية والإلكترونية، وتوزيعها بمحافظات المملكة، إلى جانب ترخيص (8) منشآت لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية والكهربائية.
وتسعى رؤية التحديث الاقتصادي، التي تعد “خارطة طريق” للاقتصاد الأردني؛ إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتوليد فرص عمل جديدة مع ضمان الحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية، إذ حددت ضمن محرك البيئة المستدامة عدة أهداف للحد من النفايات وإعادة تدويرها واستخدامها.
وتهدف رؤية التحديث الاقتصادي في الأردن، إلى تحقيق تحول اقتصادي مستدام، يعزز النمو الاقتصادي ويعالج التحديات الهيكلية في الاقتصاد الأردني، إذ وضعت الاقتصاد الدائري ضمن أولوياتها تحت المحرك السابع، محرك “بيئة مستدامة”.
وسلطت الرؤية الضوء على إعداد معايير الممارسات الاقتصاد الدائري في الأنشطة الصناعية والتركيز على المجمعات الصناعية البيئية ضمن محرك الصناعات عالية القيمة أيضًا، في وقت يبلغ معدل تولد النفايات للشخص الواحد بالأردن نحو 0.8 إلى 1 كغم لكل فرد.
وحدَّد الملخص التنفيذي لقطاع النمو الأخضر في رؤية التحديث الاقتصادي بالأردن ستة قطاعات إستراتيجية لقيادة مسيرة النمو الأخضر وهي: الطاقة، والمياه، والنفايات، والنقل، والسياحة، والزراعة، بالإضافة إلى الحاجة إلى إستراتيجية تمويل.
ولفت الملخص إلى أن الاستجابات العالمية والوطنية للتغير المناخي، توفر فرصة للأردن لتحقيق النمو الأخضر والتعافي عبر الطاقة المستدامة، والنقل الأخضر، وكفاءة الموارد، والإنتاج الأشد نظافة، وإعادة استخدام النفايات وإعادة تدويرها والزراعة الذكية مناخيًا.
ويرى منتدى الإستراتيجيات الأردني -وهو إحدى مؤسسات القطاع الخاص- أن تجاوز منظور إدارة النفايات وكفاءة استخدام الموارد إلى الإدماج الكامل لجميع مبادئ الاقتصاد الدائري، يمكن أن يوفر للأردن المزيد من المكاسب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
وأشار المنتدى إلى أن الصناعة التحويلية تعد أكبر قطاع في الأردن، ومن المتوقع أن يتضاعف حجم هذا القطاع بحلول عام 2033 ليولد نحو 260 ألف وظيفة جديدة في الصناعات الكيميائية والمنسوجات والأغذية والأدوية والصناعات الهندسية كخطوط الإنتاج الرئيسة.
وتستهلك هذه القطاعات مجتمعة كميات كبيرة من الطاقة والموارد، مما يجعلها مرشحة، بنحو رئيس؛ لتنفيذ نهج الاقتصاد الدائري الذي يهدف إلى زيادة الكفاءة، والحد من النفايات، وتعزيز ممارسات الاستدامة.
وأطلق الأردن قبل عامين مشروع تطبيق ممارسات متكاملة متعلقة بكفاءة استخدام الموارد والإنتاج الأنظف المطبقة في المنشآت الصناعية لغايات تنفيذ خدمات فنية واستشارية لتطبيق منهجية الإنتاج الأنظف والكفؤ في استخدام الموارد لـنحو 15 منشأة صناعية مستهدفًا القطاعات الصناعية بعموم محافظات المملكة.
وحسب معطيات إحصائية لوزارة البيئة الأردنية؛ يبلغ معدل الإنتاج السنوي للنفايات بالمملكة 2.7 مليون طن، وكمية النفايات الصلبة البلدية 2.5 مليون طن في السنة، 50 % منها عضوية، وكمية النفايات الطبية 2745 طنًا في السنة، وكمية النفايات الصناعية الخطرة تبلغ 45 ألف طن في السنة، فيما تبلغ نسبة النفايات البلاستيكية من إجمالي النفايات، نحو 35 %.
وتشير المعطيات إلى أن 90 % من المناطق الحضرية و70 % من المناطق الريفية بالأردن مغطاة بخدمة جمع وإدارة النفايات الصلبة، وأن جزءًا كبيرًا منها كالزيوت المعدنية المستهلكة وبطاريات الرصاص الحامضية المستهلكة؛ يعاد تدويره وينقل لمركز معالجة النفايات الخطرة، بما يعادل 2000 طن سنويًا.
وضمن جهود الأردن في مشاريع إعادة التدوير، أُنشئ أول مركز لـ (بنوك التدوير)، بالعاصمة عمان، وهو مصمم لتلبية أفضل الممارسات الدولية في إعادة تدوير النفايات التجارية، من خلال استقبال المواد القابلة لإعادة التدوير المفصولة من المصدر كالبلاستيك، والورق، والمعادن، والكرتون.
وأكَّد رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير، وجود نمو متزايد في الصناعات التي تعتمد على المواد المستدامة والمدورة بالأردن مثل: صناعة البناء التي بدأت باستخدام الطوب المعاد تدويره، بالإضافة إلى بعض الصناعات الغذائية والكيماوية والورق والكرتون والبلاستيك والإنشائية.
وقال: “إن قطاع الطاقة المتجددة يعد من العوامل الرئيسة في دعم الاقتصاد الدائري، من خلال توفير طاقة نظيفة ومستدامة، بالإضافة إلى القطاع الزراعي الذي يستفيد من ممارسات الاقتصاد الدائري عبر تطبيق أنظمة الزراعة المستدامة، كالزراعة العضوية وتدوير المخلفات الزراعية لاستخدامها كسماد أو لتوليد الطاقة”.
وأكد المهندس الجغبير في حديث لــ (بترا)، أن هناك اهتمامًا متزايدًا من الشركات الصناعية بالأردن لتطبيق الممارسات المتعلقة بالاقتصاد الدائري، ولا سيما مع تزايد الوعي البيئي ودعم التشريعات الحكومية لهذه الاتجاهات.
وأوضح أن الاقتصاد الدائري أصبح ركيزة من الحلول الفعّالة لمواجهة تحديات النفايات واستخدام الموارد الطبيعية، مما يعزز القدرة التنافسية للقطاعات الصناعية، كما يُسهم في تعزيز سمعة الأردن في الأسواق الدولية، خاصة تلك التي تركز على المنتجات المستدامة، مع تزايد الطلب العالمي على المنتجات التي تتبنى المعايير البيئية.
وأشار إلى أن الأردن سيستفيد من هذا التحول من خلال تحسين جودة المنتجات وتقليل التكاليف، وتعزيز كفاءة استخدام الموارد وفتح فرص جديدة للابتكار الصناعي، إلى جانب تقليل التأثيرات البيئية، مما يعزز المصلحة الوطنية على المدى الطويل.
وبيَّن أن الاقتصاد الدائري يلعب دورًا مهمًا في تحقيق الاستدامة وتقليل النفايات وزيادة كفاءة استخدام الموارد من خلال مساهمته في تحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة، مع زيادة كفاءة استخدام المواد القابلة لإعادة التدوير والاستخدام ما يقلل من مستويات الهدر، ويُسهم في الحفاظ على الموارد الطبيعية، مما يعزز من أشكال الاستدامة البيئية والحفاظ على الموارد الطبيعية المختلفة.
ولفت المهندس الجغبير إلى أن الاقتصاد الدائري يعزز من عمليات الابتكار بنحو كبير، حيث إن مجالات عمليات إعادة التدوير واسعة ومبتكرة، سواءً بآليات إعادة التدوير، أو بمنتجات ومخرجات هذه العمليات، حيث تشجع الشركات على تصميم منتجات تدوم طويلًا ويمكن إعادة تدويرها بسهولة أو تفكيكها لإعادة استخدامها، فضلًا عن أن بعض عمليات التدوير ينتج عنها أشكال من الطاقة المختلفة، بالإضافة إلى البحث والتطوير في مواد جديدة صديقة للبيئة مثل: البلاستيك الحيوي، أو الخرسانة المعاد تدويرها.
من جانبه، أكَّد ممثل قطاع الصناعات التموينية والغذائية في غرفة صناعة الأردن محمد وليد الجيطان، أن قطاع التصنيع الغذائي يعتمد على تبني العديد من ممارسات الاقتصاد الدائري، وأظهر اهتمامًا ملحوظًا بإعادة استخدام المواد والموارد لتحسين الكفاءة وتقليل الفاقد، واستخدام النفايات العضوية في إنتاج السماد أو الطاقة الحيوية، وهو ما جعل القطاع رائدًا في مجال تحسين جودة المنتجات وتقليل التكاليف.
وقال: “إن قطاع الصناعات الغذائية أصبح أحد أبرز القطاعات التي تعتمد على منتجات تدوم طويلًا وقابلة لإعادة التدوير أو التفكيك، والمواد المستدامة والمدورة، بالإضافة إلى تبنيه مفهوم الابتكار في تصميم مواد تغليف قابلة للتدوير أو التحلل الحيوي”.
وأكد الجيطان أن هذه الممارسات بالإنتاج تقلل الأثر البيئي وتسهم في تحقيق استدامة بيئية واقتصادية شاملة، إلى جانب تطبيق الممارسات الخاصة بإعادة استخدام المياه الناتجة عن عمليات التصنيع، والاستفادة من المنتجات الثانوية وقشور الفاكهة والبذور وغيرها في إنتاج مواد غذائية إضافية.
بدوره بيَّن المدير التنفيذي لشركة الأنظمة الذكية، سامر الزمر، أن الشركة تركز على إعادة تدوير مواد مختلفة منها النفايات البلدية، والإطارات المطاطية، والمخلفات البلاستيكية، والمخلفات الزراعية، وتحويل العديد من أنواع المخلفات إلى وقود بديل قابل للاستخدام في الصناعة وبالعديد من التطبيقات المنزلية وتربية الدواجن مثل: التدفئة.
وقال: “إن مختلف القطاعات في الأردن تعاني من ارتفاع فاتورة الطاقة المستخدمة إما للإنتاج أو للتدفئة، وفي نفس الوقت تشكل النفايات مشكلة متراكمة تؤثر على البيئة والمياه الجوفية وانبعاثات غازات الدفيئة، مما دفع شركته لتقديم حلول بيئية لتحويل المخلفات إلى مصدر مستدام للطاقة وتحويلها لوقود صلب أو سائل بنحو قابل للاستخدام بسهولة في مختلف المنشآت.
وبيَّن أن الشركة شغلت محطة فرز نفايات رئيسة في العاصمة عمان، وأنشأت مصنعًا في مدينة المفرق الواقعة على بعد 80 كيلومترًا إلى الشمال من العاصمة الأردنية عمان، إضافة إلى تركيب خطوط إنتاج في منطقتي الموقر وضبعة جنوب عمان.
وبحسب الزمر فإن إعادة تدوير المخلفات تستطيع توفير دائرة جديدة في الاقتصاد قائمة على استخدام مواد خام ذات تكلفة منخفضة، وبالنهاية إنتاج منتجات ذات نوعية مقبولة، آخذين بعين الاعتبار القدرة العالية لهذه الصناعة على المنافسة على عكس الصناعات الأخرى، إضافة إلى قدرة هذه الصناعة على حل العديد من المشاكل البيئية، وتخفيف تكاليف معالجتها في مكبات النفايات، وتخفيض فاتورة الطاقة المرتفعة للصناعة والمنازل.
وأشار ممثل قطاع الصناعات البلاستيكية والمطاطية، في غرفة صناعة الأردن، علاء أبو خزنة، إلى أن قطاع الصناعات البلاستيكية في الأردن، يعتمد على ممارسات تصب في الاقتصاد الدائري من خلال جمع وفرز وإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية وتحويلها لمنتجات أخرى، عبر جمع النفايات ونقلها لمناطق فرز وتنظيف، ونقلها لمصانع إعادة تدوير متخصصة، وتحويلها لحبيبات بلاستيكية خام، تستخدم في إنتاجات متعددة.
ووفق أبو خزنة؛ لا تتوفر بيانات دقيقة حول عدد العاملين في قطاع إعادة التدوير بالأردن، متوقعًا وجود عشرات الآلاف من العاملين المنخرطين في سلسلة إعادة التدوير كاملة.
ولفت لوجود العديد من الشركات التي طوّرت أعمالها بنحو ملحوظ في هذا المجال، رغم أن النفايات المحلية لا تكفي لطاقة إنتاجية كبيرة.
إلى ذلك، قال نائب المدير العام في مجموعة العملاق الصناعية الأردنية المهندس محمد الصمادي: “إن المجموعة تؤمن بأن الاقتصاد الدائري هو المستقبل الذي يجب أن تتبناه الصناعة للحفاظ على البيئة وتعزيز استدامة الموارد، لذلك طبقت ممارسات مبتكرة ومتطورة لتحقيق هذا الهدف”.
وقد حصر المهندس الصمادي الممارسات التي تطبقها المجموعة، وهي إعادة تدوير مخلفات الإنتاج البلاستيكية داخل مصانع المجموعة، واستخدامها مجددًا في عملياتنا الإنتاجية، مما يقلل من النفايات ويعزز كفاءة استخدام المواد الخام، بالإضافة إلى إعادة تدوير المياه الناتجة عن معالجة المياه الجوفية وجمع مياه الأمطار في آبار مخصصة لاستخدامها في ري المساحات الخضراء حول المنشآت.
وبيَّن أن المجموعة تدرس حاليًا مشروعًا لإعادة تدوير المياه العادمة لإنتاج مياه صالحة للاستخدام البشري، مما يُسهم في تعزيز استدامة المياه، وتقليل الأثر البيئي، فيما يتمثل الهدف المستقبلي بالوصول لمنشآت تطبق سياسة “عدم تصريف السوائل” (Zero Discharge Liquids)، مما يعني إعادة استخدام كل المياه الناتجة عن العمليات وعدم تصريف أي سوائل إلى البيئة.
وقال المهندس الصمادي: “بدأنا في عام 2018 بتحديث جميع أنظمة الاحتراق لتحويلها من الديزل إلى الغاز المُسال، ونعمل حاليًا على إطلاق عملياتنا باستخدام الغاز الطبيعي من حقول الريشة الأردنية، وقمنا بإنشاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية على الأسقف في الأردن بقدرة 3 ميجاواط، والذي يغطي ما يقارب 70 % من احتياجات المجموعة من الطاقة الكهربائية، مما ساعد على تقليل البصمة الكربونية الناتجة عن استخدام الطاقة التقليدية”.
// انتهى //
10:00 ت مـ
0020