دراسات الترجمة وتطبيقاتها.. حاجة متزايدة في عصر العولمة والذكاء الاصطناعيسارة المطيري (تقرير اخباري)الكويت – 23 – 11 (كونا) — في عصر العولمة وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعلم اللغات تبرز حاجة متزايدة للاهتمام بدراسات الترجمة وتطبيقاتها بهدف الاطلاع على ثقافات الشعوب وتراثها والنهل من علومها المختلفة.وشهد قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات قبل عدة سنوات إطلاق عدة أنظمة الكترونية للترجمة على أمل عدم تمييز الترجمات الآلية عن ترجمات البشر أو سد الفجوة بينهما ما أثار تكهنات بأن تلك المهنة القديمة ربما تكون في طريقها للاندثار.إلا أنه رغم مرور السنوات لم يتم انتفاء الحاجة إلى المترجمين او الاستغناء عن اسهاماتهم في شتى المجالات بما فيها الأدب والإعلام والإعلانات التي يتبع كل منها نهجا خاصا به.وتكمن أهمية الترجمة في المساهمة في تناقل المعارف لاسيما وأن البشر يتحدثون نحو سبعة آلاف لغة قليل منها مكتوب وأغلبها شفهي ولذلك كان لابد من رابط وجسر لتبادل الخبرات والثقافات.ولا شك بأن هناك وعيا متزايدا بأن اللغات لا تلعب فحسب دورا حيويا في التنمية وضمان التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات ولكن أيضا تعمل على تحقيق التعليم الجيد للجميع وتعزيز التعاون وبناء مجتمعات المعرفة الشاملة والحفاظ على التراث الثقافي وتعبئة إرادة الأمة لتطبيق فوائد العلم والتكنولوجيا للتنمية المستدامة.وفي هذا الصدد تقول رئيسة قسم اللغة الإنجليزية بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا الدكتورة أسماء الدحيم لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن الترجمة ليست مجرد تحويل كلمات لغة إلى أخرى وإنما تتطلب فهما عميقا للسياق والمعنى موضحة أن اللغة والسياق يتفاعلان بشكل كبير يؤثر على كيفية فهم المعلومات خاصة في مجالات مثل الأدب والإعلام والإعلانات حيث يتبع كل منها نهجا خاصا به.وأشارت إلى أن مهنة المترجمين في عصر تكنولوجيا الاتصالات الحديثة تدخل في منافسة شديدة حاليا مع الآلات وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي لم تصل بعد إلى فهم نبرة الصوت واللمسة الإنسانية مما يحول النصوص في كثير من الأحيان إلى كلمات بلا روح.وأوضحت أن أنظمة الترجمة الآلية تعتمد على تحويل الكلمات من لغة إلى أخرى بينما يترجم البشر الأفكار التي لا تستطيع البرمجيات والخوارزميات الآلية إدراك عمقها الثقافي أو التراثي.وأكدت أن المترجمين الذين لديهم معلومات وثقافة مع اللغة المستهدفة يمكنهم فهم التعابير الاصطلاحية والاستعارات بشكل أفضل.كما أشارت إلى أن بعض التعبيرات الاصطلاحية لا تمتلك ترجمة مباشرة لذا يعتبر توطين النص نظرية ترجمة معروفة تجعل المعنى أكثر قربا للجمهور المستهدف.كما لفتت الدكتورة الدحيم إلى أن العديد من التعبيرات تبقى عالمية على الرغم من الفروق الثقافية فمثلا كلمة (المطر) في الثقافة البريطانية غالبا ما ترتبط بالكآبة بينما تعتبر في الثقافة العربية نعمة.وفي الأدب من الضروري أن يشعر القارئ بالارتباط بالمحتوى حيث تدعو الدكتورة الدحيم في هذا الإطار إلى توطين النصوص لزيادة تفاعل القراء.كما أن الفكاهة أحيانا تكون متجذرة بعمق في ثقافة ما مما يجعل من الصعب نقلها لذا قد يلجأ المترجمون إلى استبدال الفكاهة بخيارات ذات صلة ثقافيا أو حتى ابتكار نكات جديدة تتناسب مع الجمهور المستهدف.ومع ذلك إذا كانت بعض المراجع الثقافية لا يمكن تعديلها فقد يتم حذفها للحفاظ على تدفق السرد.وأكدت الدكتورة الدحيم أهمية “الولاء” للنص الأصلي مشيرة إلى تقنيات الترجمة التي تتجاوز الهوامش التقليدية مثل التوطين والتغريب والحورفة مما يسهم في تحقيق مزيد من الوضوح والترابط داخل النص.وأعطت مثالا عن كيفية إضافة معرف ضمن النص مثل جائحة (كوفيد) بدلا من الاعتماد على هامش لشرح المرض الفيروسي.وبالمثل يمكن توضيح مصطلحات ثقافية مثل (قرقيعان) بشكل مدمج ضمن السرد كاحتفال في منتصف رمضان مما يلغي الحاجة للهوامش.ومن جانبه أكد المترجم في قناة الكويت التلفزيونية الثانية يحيى علي ل(كونا) إن تحقيق التوازن بين التوقيت والوضوح يعد أمرا أساسيا حيث يجب التأكد من توافق الترجمة مع الحوار كما أن اختصار العبارات مثل (سوف الغي) إلى (سألغي) يساعد في الحفاظ على تدفق طبيعي دون إرباك المشاهدين.وتعتبر الفكاهة الثقافية تحديا حيث لا يمكن للمترجمين شرحها أو استخدام الهوامش في حين تتكون الترجمة العربية عادة من حوالي 12 كلمة بينما تتراوح في اللغة الإنجليزية بين 10 إلى 12 كلمة كحد أقصى وفقا لحجم الخط الذي يحدده المحرر لذا يعتبر التوطين هو الخيار الأمثل في الغالب.وفي بعض الحالات قد يواجه المترجمون صعوبة بسبب عدم وجود نظير مباشر مما يتطلب إجراء بعض التعديلات لكن إذا كانت النكتة غير مهمة للحبكة فقد يتم حذفها.وأشار علي إلى أن التعبيرات غير الرسمية (العامية) عادة ما يكون لها نظير مباشر في اللغة العربية موضحا “التحدي يكمن في الحفاظ على نغمة وتدفق الحوار”.ويجب على المترجمين التأكد من أن المصطلح المترجم يبدو طبيعيا للجمهور المستقبل.كما تحدث علي عن تحديات ترجمة الأسماء إلى العربية حيث استخدم أسماء مثل (راشد) و(رشيد) التي يخطئ الكثير من المتحدثين بالإنجليزية في نطقها ك (رشيد) مما يؤدي إلى الارتباك.وعند التعامل مع موضوعات حساسة في العروض أو الأفلام تصبح الحساسية الثقافية أمرا هاما حيث أكد علي أهمية إنتاج محتوى يناسب الفئة العمرية حيث أن المترجمين يمكنهم أن يكونوا مبدعين في صياغة الحوار.وأشار إلى أن المترجمين لديهم حرية في تعديل الحوار في هذه العروض والأفلام على عكس الترجمات السياسية أو الوثائقية التي تتطلب دقة عالية حيث يمكن لأي تغيير صغير في المعنى أن يحدث عواقب كبيرة.وفي مجال الإعلام والإعلانات قال الأستاذ الدكتور بعلم الإدارة والتسويق في كلية العلوم الإدارية في جامعة الكويت عادل الوقيان ل(كونا) إن الحفاظ على صوت العلامة التجارية عبر لغات متعددة يعد أمرا بالغ الأهمية مؤكدا ضرورة تكييف الرسائل مع الثقافات المحلية مع الحفاظ على هوية العلامة التجارية وهو عامل رئيسي في نجاح الحملات.وعند سؤاله عن كيفية التغلب على حواجز اللغة والاختلافات الثقافية أشار الوقيان إلى أهمية مراعاة الاختلافات الثقافية في التسويق مستشهدا بتعثر تسويق سيارة (شيفروليه نوفا) في الدول الناطقة بالإسبانية، حيث ان (نوفا) تعني (لا تسير) مما يبرز مخاطر تجاهل الفروق الثقافية واللغوية في استراتيجيات التسويق العالمية.كما تناول الوقيان المفهوم الخاطئ حول العولمة قائلا “يعتقد البعض أن حملة دعائية واحدة يمكن أن تنجح عالميا متجاهلين أهمية التكيف مع الأسواق المحلية لضمان نقل الرسالة المقصودة عبر لغات مختلفة”.وأشار الوقيان إلى الجدل القائم بين العولمة والتخصيص موضحا أن الإعلانات يجب أن تخصص لتتناسب مع الثقافة المحلية.وأكد “فهم ما يفضله الجمهور وما يجذبهم ثقافيا هو أمر بالغ الأهمية” مشيرا إلى أن الإعلانات العالمية يمكن أن تقلل التكاليف بفعالية إذا تم استخدامها بشكل صحيح.وقال “المسوق الحقيقي يعرف كيف يوازن بين العولمة والتخصيص” مقترحا على سبيل المثال إنشاء إعلانات متحركة قصيرة لجعلها متاحة بعدة لغات وبفضل مهارات مترجمين مختصين يمكن للشركات انشاء اعلان واحد عالميا مع تقليل التكاليف.ويجمع هذا النهج بين فوائد العولمة والتخصيص مع السياق والمعنى مما يضمن أن الإعلان يجذب ويؤثر عبر أسواق مختلفة.ومن المهم التركيز على الفروق الثقافية في عالمنا المتنوع حيث تحدث العديد من الأخطاء عند تجاهل السياق والمعنى لذا فإن اعتماد نظريات الترجمة التي تعطي الأولوية للسياق والمعنى يعزز التواصل ويعمق الفهم عبر مجالات متعددة. (النهاية)س م / ط م ا