قمة مجموعة الـ77 والصين تنطلق في هافانا غدا

الدوحة في 14 سبتمبر /قنا/ تنطلق في العاصمة الكوبية هافانا غدا الجمعة اجتماعات قمة رؤساء دول وحكومات مجموعة السبع والسبعين زائد الصين، تحت شعار “تحديات التنمية الحالية: دور العلم والتكنولوجيا والابتكار”.

وسيناقش المشاركون في القمة، على مدار يومين، مواضيع وملفات عدة، سيما تحديات التنمية الحالية، مع تركيزهم على دور العلوم والتكنولوجيا والابتكار، والقيود المفروضة على الدول النامية في الوصول إلى التقدم العلمي والتقني، وكيفية حل المشكلات الناجمة عن وباء كورونا، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وتقلبات السوق، والتضخم، وأعباء الديون، وتغير المناخ، والتوترات والصراعات الجيوسياسية في أنحاء مختلفة من العالم.

وبخصوص ملفات القمة، يقول الرئيس الكوبي، ميغيل دياز كانيل، إن التقدم العلمي والتقني، الذي يعد أساسيا لتحقيق التنمية المستدامة، غير متاح لجزء كبير من البشرية، مشددا على أن الأسباب تكمن في ما وصفه النظام الاقتصادي الدولي غير العادل الذي أدى إلى تفاقم التهميش الاجتماعي والاقتصادي والعلمي والفني للعديد من البلدان، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على دول الجنوب.

وأبرز أن العلم والتكنولوجيا والابتكار كانت في الخطوط الأمامية للاستجابة لجائحة “كوفيد-19″، في حين أن فوائدها كانت بعيدة المنال بالنسبة لمن هم في أمس الحاجة إليها، مؤكدا أن تغيير هذا السيناريو يتطلب بناء علاقة أكثر عدالة، ونظاما ديمقراطيا وشاملا حقا، يدعم التضامن والتعاون الدوليين.

وخلال كلمته التي ألقاها أمام قمة دول مجموعة “بريكس” الأخيرة في جوهانسبرغ، أعرب الرئيس الكوبي عن رؤيته بأن مجموعة الـ77 والصين ومجموعة “بريكس” تتحملان مسؤولية الدعوة إلى تغيير النظام الدولي الحالي، مشيرا إلى أن هذا الأمر ليس خيارا، وإنما هو البديل الوحيد.

واعتبرت مصادر دبلوماسية كوبية “قمة هافانا” المجال الذي يمكن لدول الجنوب أن تدافع فيه عن مصالحها الخاصة، حيث لعبت المجموعة، التي تمثل مجتمعة ثمانين بالمئة من سكان العالم وأكثر من ثلثي أعضاء الأمم المتحدة، دورا مهما في الماضي، بينما يجري الحديث حاليا عن نظام اقتصادي دولي جديد، منوهة بأن وجود الصين في هذه المجموعة يعطيها بعض القوة الاقتصادية، حيث أنها تعتبر من أهم المستثمرين في دول الجنوب، ومشيرة إلى أن المجموعة تضم دولا واقتصادات غنية وأخرى فقيرة، لكن الأهم هو أنه بالإمكان جمع مصالح الجميع معا في كتلة واحدة وكمجموعة تفاوضية.

وأوضح بيدرو لويس بيدروسو مندوب كوبا الدائم في الأمم المتحدة، في هذا الصدد، أن بلاده، بصفتها رئيسا للمجموعة حاليا، تأمل أن تساهم “قمة هافانا” في تعزيز صوت المجموعة خلال المفاوضات الدولية الجارية الهادفة لعقد قمة “التنمية المستدامة”، في 18 و19 سبتمبر الجاري بنيويورك، وقمة “المستقبل” المقرر عقدها في سبتمبر عام 2024، وهما الحدثان اللذان يهدفان إلى رسم مستقبل من السلام والتنمية المستدامة لشعوب الجنوب العالمي.

وتأتي اجتماعات قمة المجموعة هذا العام في كوبا في ظل تحولات على المستوى العالمي، بينما يتعاظم دور التكتلات والتجمعات السياسية والتحالفات الاقتصادية والجيوسياسية، كما تأتي أيضا بعد انعقاد قمة “صوت الجنوب العالمي” بالهند في يناير الماضي، إضافة إلى قمة “بريكس” الأخيرة في جنوب إفريقيا في أغسطس الماضي، وهو الأمر الذي يشير إلى الأهمية المتزايدة لهذه التجمعات والأطر.

وتولت كوبا الرئاسة المؤقتة للمجموعة في يناير 2023، وهي المرة الأولى التي تقود فيها الجزيرة الكاريبية هذه الآلية، كما استضافت هافانا خلال العام الجاري، فعاليات تتعلق بمجموعة الـ77 زائد الصين، بما في ذلك اجتماعات وزراء التعليم والثقافة والسياحة في الدول الأعضاء فيها.

وبما أنها رابطة مهمة، فإن انعقاد مؤتمرات القمة على مستوى سياسي رفيع مثل تلك التي ستعقد في هافانا، والتي ستشهد مشاركة على مستوى رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية أمر نادر الحدوث، ولذلك فإن كل قمم المجموعة تعتبر تاريخية في حد ذاتها، وستكون هذه القمة أكثر أهمية بسبب الظروف التي تنعقد فيها.

وتعرف عملية صنع القرار الرئيسية للمجموعة باسم قمة الجنوب، حيث عقدت القمة الأولى في العاصمة الكوبية هافانا في أبريل عام 2000، ومن المقرر عقد قمة الجنوب الثالثة في الفترة من 21 إلى 23 يناير 2024 في كمبالا، تحت شعار “عدم ترك أحد يتخلف عن الركب”.

وكانت دولة قطر قد استضافت قمة الجنوب الثانية في يونيو عام 2005، والتي كانت أكبر قمة عالمية تعقد في الشرق الأوسط، حيث شارك فيها نحو ستين رئيس دولة وأكثر من 155 مشاركا من 132 دولة إلى جانب تكتلات دولية اقتصادية.

وقد أقرت القمة، في ختام أعمالها، خطة عمل الدوحة للتنمية التي أكدت على ضرورة تعزيز التعاون فيما بين دول الجنوب في جميع الجوانب، وأبرزت ترحيب رؤساء دول وحكومات مجموعة الـ77 والصين بما تم إحرازه من تقدم في مسيرة المجموعة، وأعادت خطة عمل الدوحة التأكيد على اقتناع رؤساء دول وحكومات المجموعة بضرورة متابعة تعزيز التضامن فيما بين دول الجنوب للدفاع عن حقها في تحقيق التنمية وبناء نظام دولي أكثر عدلا وإنصافا، بحيث يوفر للدول النامية فضاء ملائما لمتابعة مسيرتها وتنفيذ أهدافها التنموية.

ورحبت خطة عمل الدوحة بدعوة اللجنة الدولية المعنية بالبعد الاجتماعي للعولمة وغيرها من المؤسسات الدولية لترشيد العولمة، بحيث تعم فوائدها جميع شعوب الأرض دون إقصاء لأحد، وتؤخذ الاحتياجات التنموية للبلدان النامية بعين الاعتبار، داعية إلى السعي في إطار منظمة التجارة العالمية لإقامة نظام تجاري أكثر عدلا وإنصافا يسوده حكم القانون ويعطي الأولوية لموضوع التنمية بهدف تحقيق استفادة قصوى للدول النامية المشاركة في التجارة الدولية.

كما اعتمدت القمة، في ختام أعمالها، إعلان الدوحة السياسي الذي يؤكد قناعة الدول الأعضاء بضرورة تعزيز التضامن ووحدة العمل فيما بينها لتعزيز الأمن والسلم الدوليين بما يستجيب لطموحات شعوبها، مجددة التزام الدول الأعضاء بالمبادئ المؤسسة للمجموعة وروح التعاون الجماعي لخدمة المصالح المشتركة، وتأكيدها على الاهتداء بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مع الاحترام الكامل لمبادئ القانون الدولي بما في ذلك احترام سيادة الدول والمساواة فيما بينها في الحقوق، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والمحافظة على وحدة وسلامة أراضيها، وحل النزاعات الدولية بالسبل السلمية بما يخدم الأمن والسلم الدوليين، ولا يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، والعمل على تطوير علاقات ودية بين الدول لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، ومشددة على قناعة الدول الأعضاء بأهمية الحوار بين الحضارات كمسيرة مستمرة وأداة فعالة لتحسين المناخ الدولي وخلق حياة أفضل للبشرية من خلال تعزيز التنمية.

وتواجه المجموعة تحديات هائلة، لا سيما تلك المتعلقة بالإنعاش الاقتصادي والاجتماعي من آثار جائحة “كوفيد-19″، وصعوبات مالية وديونا هائلة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتصاعد حالة الطوارئ المناخية، ونظاما اقتصاديا غير متوازن يؤدي إلى استمرار عدم المساواة والفقر، غير أنها توفر وسائل لبلدان الجنوب للتعبير عن مصالحها الاقتصادية الجماعية وتعزيزها، ودعم قدرتها التفاوضية المشتركة بشأن جميع القضايا الاقتصادية الدولية الرئيسية داخل منظومة الأمم المتحدة، وتعزيز التعاون بين البلدان الأعضاء من أجل التنمية، وتبرز أهميتها بشكل خاص في الأمم المتحدة، حيث إنها أكبر كتلة من الدول التي تتولى الرئاسة الدورية، وكانت الهند أول رئيس لمجموعة الـ77 في نيويورك.

يذكر أن مجموعة السبع والسبعين تأسست في 15 يونيو عام 1964 بمبادرة من 77 دولة وقعت على الإعلان المشترك، والذي صدر في الجلسة الختامية من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في جنيف.

ورغم أن عضوية مجموعة 77 قد وصلت، اليوم، إلى 134 دولة، لكنها حافظت على تسميتها الأصلية نظرا لدلالتها التاريخية، وعقد الاجتماع الوزاري الأول للمجموعة في الجزائر عام 1967، ومثل نقلة نوعية في بنيتها، إذ تم تبني ميثاق الجزائر، والذي أصبح هيكل المجموعة المؤسسي، كما مهد الطريق لبنية مؤسساتية دائمة نمت بشكل مستمر.

وتطورت بنية المجموعة تدريجيا، حيث أدت إلى إنشاء مواثيق روما وفيينا وباريس ونيروبي وواشنطن، كما تحظى المجموعة بممثلين عنها، في عدة مؤسسات ومسارات دولية، منها منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، وغيرها، وتتخذ مبنى الأمم المتحدة في نيويورك مقرا رئيسيا لها، وتنتقل رئاستها بين الدول الأعضاء في تصويت يتم كل عام في نهاية كل دورة، وعلى أساس إقليمي، وذلك بين إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ودول الكاريبي.

وبصفتها الأكبر والأكثر تنوعا في الأمم المتحدة، فإن مجموعة الـ77 والصين لها دور قوي في تشكيل الخطاب حول قضايا التنمية المعاصرة، وتقديم حلول للتحديات العالمية الملحة.