منوعات عالمية / رحلة عبر الزمن في مخبر المخطوطات بمدينة رقادة التونسية

تونس 14 جمادى الأولى 1447 هـ الموافق 05 نوفمبر 2025 م واس
في ضواحي مدينة القيروان التاريخية، يقف مخبر صيانة وترميم الرقوق والمخطوطات برقادة شاهدًا على عمق الذاكرة المعرفية للحضارة الإسلامية في شمال أفريقيا، وفضاءً فريدًا يحفظ آلاف المخطوطات التي خطّها العلماء والأدباء على مدى قرون.
ففي عام (1994) أُنشئ المخبر ليكون مركزًا وطنيًا لصيانة التراث المكتوب، وبات اليوم من أبرز المؤسسات المتخصصة في أفريقيا والعالم العربي في مجال حفظ وصيانة المخطوطات.
ويحتضن المخبر أكثر من (100) ألف قطعة من المصاحف والرقوق القديمة المكتوبة بالخط الكوفي وماء الذهب، ما يجعله مرجعًا فريدًا للباحثين في تطور الخطوط والزخارف العربية.
ولا تقتصر مقتنياته على المصاحف، بل تضم أيضًا أكثر من (50) ألف مخطوط فقهي نادر، من بينها المدوّنة الكبرى للإمام سحنون، وتفاسير قديمة لابن سلام، وكتب فقهية أصلية تُعدّ من نفائس التراث القيرواني، وتشهد على غنى الحياة العلمية والثقافية في المدينة التي كانت أولى عواصم الإسلام في أفريقيا، وملتقى المشرق والمغرب منذ القرن الثاني الهجري الثامن الميلادي.
ويضم المخبر كذلك مجموعة من العقود التاريخية، مثل عقود الزواج القيروانية، وهي وثائق نادرة تسلّط الضوء على الحياة الاجتماعية والثقافية في القيروان خلال تلك الحقبة.
ويحرص فريق المختصين في المخبر على حفظ هذه الكنوز في ظروف دقيقة، حيث تُحفظ المخطوطات في بيئة تتراوح حرارتها بين (18 و22) درجة مئوية، ورطوبة نسبية تتراوح بين (40 و60) بالمئة، داخل صناديق خالية من الحموضة تحميها من الغبار والحشرات وتضمن بقاءها في حالتها الأصلية.
ويُعدّ المخبر فضاءً علميًا مفتوحًا للتعاون الدولي، إذ يحتضن بانتظام دورات تدريبية في مجال ترميم المخطوطات لفائدة مختصين من دول عربية وأفريقية، في إطار تبادل الخبرات وتعزيز الجهود المشتركة لصون التراث العربي والأفريقي الغني بالقيم والمعارف.
ويُعد مخبر رقادة أول مؤسسة من نوعها في القارة الأفريقية، ومكسبًا حضاريًا يعيد إحياء أمجاد القيروان، المدينة التي ظلت لقرون منارةً للعلم والحكمة وملتقى للحضارات.
// انتهى //
22:58 ت مـ
0281