
مسقط في 20 أكتوبر /العُمانية/ منذ أن خطّ الطفل ذو العشرة أعوامٍ أولى حروفه متأثرًا بعناوين الدروس المدرسية، بدأ الفنان والخطاط السوري منير شعراني مسيرته الاستثنائية في عالم الحرف العربي، رحلةٌ لم تكن مجردَ تعلّمٍ لفنٍّ تقليدي، بل مشروعٌ فكريٌّ وجماليٌّ متكاملٌ امتدَّ لعقودٍ، شكّل خلالها شعراني واحدًا من أبرز أعلام الخط العربي المعاصر.
يسترجع شعراني بداياته في حوارٍ لوكالة الأنباء العُمانية قائلًا: إن تعلّمه المبكر للخط على يد الأستاذ الراحل محمد بدوي الديراني في دمشق عام 1962 كان نقطةَ تحوّلٍ كبرى، فتح فيها بابًا نحو شغفٍ لم ينطفئ. لم يكن الخط عنده مجرّدَ كتابة، بل أصبح لاحقًا وسيلةً للتعبير الفني والتشكيل البصري القائم على فلسفةٍ جماليةٍ متكاملة، يرى فيها الحرف العربي كيانًا حيًّا ينبض بالهوية والروح.
على مدار مسيرته، انشغل شعراني بإعادة الاعتبار إلى الخط العربي كفنٍّ بصريٍّ قائمٍ بذاته، متجاوزًا حدودَ التقليد إلى رحاب التجديد. فبعد ركودٍ استمرَّ قرونًا، تصدّى الفنان لمسؤولية إعادة دمج الخط العربي ضمن الفنون التشكيلية المعاصرة، مستفيدًا من أصالته الهيكلية وتجريديته البصرية لبناء أعمالٍ فنيةٍ تحمل رسالةً فلسفيةً وإنسانية.
ويصف الفنان السوري علاقته بالحرف بأنها علاقةٌ وجودية، تتجلّى فيها الروح الإنسانية حضورًا أو خفاءً، مؤكّدًا أن فنه لا ينفصل عن قضاياه الكبرى، فكلُّ عملٍ يقدّمه هو انعكاسٌ لفكرةٍ وموقفٍ ورؤيةٍ تنطلق من الحرف لتصل إلى الإنسان.
ويتميّز أسلوبُ شعراني بمقاربةٍ فنيةٍ توازن بين الأصالة الجمالية والابتكار الفني، إذ ينطلق من البنية الكلاسيكية للحرف دون أن يقف عند حدودها، بل يطوّعها لتنسجم مع بنيةٍ تشكيليةٍ حديثةٍ تواكب تطوّر الفنون البصرية.ويشير إلى أن التوفيق بين “بلاغة العبارة” و”بلاغة البصر” هو أحد المعايير الأساسية التي يعتمدها في تصميم لوحاته، لتكوين أعمالٍ تستثير الذائقة البصرية والفكرية للمتلقي في آنٍ معًا، ويرى أن مسؤولية الخطاط اليوم لا تقتصر على الحفاظ على الإرث، بل تتعدّاه لتشمل التجديد الواعي والفاعل الذي يضمن للخط العربي مكانته في المشهد الفني العالمي.ولا يُخفي شعراني مخاوفه من تحدّيات المرحلة المعاصرة، خاصةً فيما يتعلّق بالتحوّل الرقمي واستخدام الذكاء الاصطناعي، مؤكّدًا أن هذه الأدوات، رغم إمكاناتها، تظلّ عاجزةً عن محاكاة روح العمل اليدوي الأصيل، الذي ينقل إحساس الفنان وتفاعله الإنساني مع الحرف.كما دعا المؤسسات الثقافية والإعلامية إلى الاضطلاع بدورها في دعم الخط العربي، من خلال نشر الوعي الجمالي به، وإنشاء مراكز تعليمية حديثة تدمج بين التراث والتقنيات المعاصرة، مؤكّدًا أهمية الجمع بين أسس التصميم وفهم بنية الحرف ومبادئ الفنون التشكيلية.وفي إشارةٍ إلى المشهد العُماني، أعرب شعراني عن تقديره لجهود سلطنة عُمان في دعم الخط العربي، مثمّنًا الرعاية المؤسسية التي من شأنها أن تسهم في الحفاظ عليه وتطويره، وفي الوقت ذاته حثّ الفنانين العُمانيين الشباب على أن تكون لهم بصمتهم الخاصة، لا أن يقفوا عند حدود التقليد، بل أن ينطلقوا نحو الابتكار والتجريب في أشكالٍ جديدة.ويختتم الفنان السوري منير شعراني حديثه برسالةٍ إنسانيةٍ وفنيةٍ، مُلخّصًا فلسفته بقوله:”الفنّ هو الإضافة الإبداعية الإنسانية الواعية الحرّة التي تستلهم منجز السابقين وتسمو بحاضر الإنسان ومستقبله نحو آفاق الحق والخير والجمال.”/العُمانية/ النشرة الثقافية
أمل السعدية