الشعوب العربية تستقبل شهر الصيام بالعبادات والزينات والتهاني

الدوحة في 27 مارس /قنا/ مع تنوع الثقافات والموروثات الشعبية تختلف العادات والتقاليد بين الشعوب العربية التي ما زالت تحافظ على عاداتها في استقبال شهر رمضان المبارك والابتهاج به، لكنها تتفق جميعها حول الاحتفال بالشهر الفضيل وإحياء أيامه ولياليه بقراءة القرآن والعبادات وصلة الأرحام والأعمال الخيرية، وهي جميعها تمثل عادات وتقاليد رمضانية أصيلة.

وفي دولة قطر، تبدأ الاحتفالات مبكرا، لاستقبال الشهر الكريم، عبر احتفالية النافلة التي تقام يوم الرابع عشر من شعبان ابتهاجا بقرب قدوم شهر الصيام، وهي عادة تراثية قديمة تعنى بالعطاء والمشاركة.

ويشارك في النافلة الصغار والكبار، وتتولى العائلات إعداد أطباق الطعام التقليدي ومشاركتها مع الجيران والمحتاجين.

كما تطل من جديد مع أول أيام الصوم، عادة إطلاق “مدفع رمضان” إيذاناً بموعد الإفطار عند غروب الشمس، ويتم بث هذه العملية التي تستمر طوال أيام الشهر الفضيل، على الهواء مباشرة على تلفزيون قطر.

ويفطر الصائمون على التمر واللبن ثم يتوجهون لأداء صلاة المغرب ويعودون بعدها للمائدة الزاخرة بالأطباق الرمضانية الخاصة وأشهرها الهريس وهو طعام يُصنع من اللحم المهروس مع القمح وزيت الزيتون والقرفة، وجبة الثريد، وهي عبارة عن خبز مسطح مقرمش مع الشوربة المصنوعة من لحم الضأن أو الدجاج أو الخضروات فقط، واللقيمات وهي كرات صغيرة من العجين مقلية مغطاة بشراب السكر.

وبعد صلاة التراويح، يكون لقاء الرجال في المجلس القطري، يتسامر فيه الأصدقاء والأقارب، وهناك وجبة خاصة تسمى “الغبقة” تقدم قبل منتصف الليل وتدوم أحيانا حتى وقت السحور، فيما تجتمع النساء قرابة الساعتين فقط مع بعضهن البعض، ويحرص القطريون على المساهمة في الموائد الرمضانية التي تقيمها هيئات خيرية حكومية وشعبية للمحتاجين .

أما القرنقعوه فهو احتفال يقوم به الأطفال القطريون ليلة النصف من رمضان وتضع فيه الفتيات على رؤوسهن حزاما من اللونين الذهبي والأسود ويعرف باسم”البخنق” ويمكن أن يصل الى الخصر، ثم يتوجه الأطفال بعد صلاة العشاء للتجول بين البيوت والأحياء مرددين أنشودة القرنقعوه ويحصلون من الناس على كميات من الحلوى والمكسرات.

وقد نشأت هذه العادة باعتبارها طريقة للاحتفال بالأطفال وهم يحاولون الصيام. ورغم كونها عادة تراثية قديمة، إلا أن أهل الخليج، ولاسيما القطريين، ما زالوا متمسكين بإحيائها، وإن أخذ الاحتفال بها طابعاً أكثر عصرية في السنوات الأخيرة، كما أضحت هذه الاحتفالية عادة تحرص المؤسسات الحكومية والخاصة على إحيائها.

وتشهد الأيام الأخيرة من رمضان حركة أكبر حيث تزداد طلبات الخياطة وتزدحم الأسواق والمراكز التجارية، ويأتي هذا في وقت يتنافس آخرون لاغتنام أيام رمضان في الذكر والاعتكاف في المساجد.

ويحتفل الشعب السعودي برمضان من خلال شراء كميات كبيرة من الأنواع المختلفة للبلح لتخزينها في الثلاجات، وذلك لتناولها مع القهوة أو على الإفطار، وتتميز السعودية بانتشار الموائد الرمضانية في الحرمين الشريفين المكي والنبوي، وصلاة التراويح في الحرم، ويتم متابعتها من خلال شاشات التلفزيون فتنقل الفضائيات جميع الصلوات في شهر رمضان.

كما يخصص يوم للاحتفال لاستقبال شهر رمضان في أواخر شهر شعبان ويطلقون عليه اسم: “شعبنة”، وتجتمع فيه العائلات والأصدقاء والجيران حيث تقدم فيه الأكلات الشعبية والحلويات، ثم يبدؤون بتزيين الشوارع بلافتات استقبال لشهر رمضان، ويُقبل الجميع على الأسواق لشراء احتياجات الشهر الفضيل من الأطعمة والملابس والفوانيس وغيرها.

وترتبط “الشعبنة” بكثير من النشاطات الترفيهية منها، الرحلات البرية، وركوب الخيل، والصيد، للدخول إلى رمضان بكامل النشاط إلى جانب العبادات، أما في المدن الأخرى فينتظرون تحري الهلال ثم يبدؤون بالتهاني وفي بعض المدن يشعلون النيران الكثيفة على أسطح المنازل استقبالًا للشهر الكريم.

وفي مصر تنتشر مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم وتتزين الشوارع والمساجد، ولزينة شهر رمضان طقوس خاصة، فيسعى الأطفال لجعلها في أفضل شكل، حتى يكون كل شارع متميزًا بزينته الخاصة.

ولا ننسى فانوس رمضان فهو من أهم مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم فلا يخلو بيت في مصر من فانوس رمضان، كما تنتشر أغاني شهر الصيام في كل مكان، وتكون مسموعة في كل شارع، أما المسحراتي فهو من أشهر الطقوس الرمضانية في مصر، وهو الشخص الذي يأخذ على عاتقه إيقاظ المسلمين في ليالي شهر رمضان لتناول وجبة السحور قبل آذان الفجر .

وتتعدد مظاهر الاحتفال بالشهر الكريم في الجزائر، فلكل منطقة مظاهر في الاحتفال وفقًا لثقافتها، فنجد في الجزائر عادة تسمى “الشعبانية” وهي لتوديع شهر شعبان واحتفاء باستقبال شهر رمضان، كما يختتمون الشهر بأكلة تسمي “طبق شعبان”، وتحرص ربات المنازل في الجزائر على تنظيف البيوت وشراء الأواني الجديدة للطهي في رمضان، ويقوم البعض بطلاء منازلهم احتفالاً بقدوم الشهر الكريم.

و في المغرب، يسمى شهر رمضان باللهجة المحلية “سيدنا رمضان”، كناية على تفضيله على باقي أشهر السنة، حيث تتزين المحال التجارية بالزينة، وفي الماضي كانت النساء تجتمع على أسطح المنازل في انتظار رؤية هلال الأول من رمضان ليطلقن الزغاريد فرحاً بقدوم ضيف عزيز.

وخلال شهر رمضان، يجوب “النفار” أحياء المغرب، وهو المنادي ويرتدي الزي التقليدي من الجندورة والنعال والقبعة، ويتم اختياره من قبل سكان البلدة، ويسير النفار في الشوارع وهو ينفخ في بوق لإيقاظ الناس للسحور.

وينفرد الشعب الموريتاني بطباع خاصة في مظاهر الاحتفال بشهر رمضان الكريم، والتي توارثتها الأجيال منذ القدم، ورغم التغيرات التي طرأت على المجتمع الموريتاني، والتحديات التي تواجه ثقافاته المختلفة، لا يزال محافظاً على تقاليد راسخة في شهر رمضان، ومنها زغبة رمضان، وهي عبارة عن حلاقة شعر رؤوس الصبيان وأحيانا الكبار، لكي يبدأ الشعر بالنمو مع بداية شهر رمضان ، ويترك شعر الأطفال دون حلاقة مع اقتراب الشهر الكريم، ثم يحلق بمجرد بدئه، تيمنا بأفضلية هذا الشهر، من جهة ولتحبيب الأطفال أكثر في هذا الشهر وارتباطهم وجدانيا به من جهة أخرى.

وفي تونس، يبدأ الاستعداد لشهر الصيام بتنظيف المنازل وتحضير مستلزمات رمضان، وشراء أواني طعام جديدة لتزيين المنزل احتفالا بالشهر الكريم.

وتنشط الأسواق والمحلات التجارية وتتزين واجهات المقاهي وقاعات الشاي بالأضواء المبهرة وفوانيس رمضان. وتتزين الجوامع بالمصابيح الساطعة وتمتلئ المساجد في كل المحافظات بالمصلين، فيما تنظم السلطات التونسية المسابقات الدينية لحفظ القرآن الكريم في كافة المناطق التونسية ومن أشهرها المسابقة الدينية لحفظ القرآن الكريم، ويتبادل التونسيون عبارات التهنئة في أول يوم من رمضان ومنها”صحة شريبتكم” وهو لفظ تونسي معناه بالصحة والعافية.

وتحرص الأسر في الأردن على نصب الخيام للجلوس فيها أثناء انعقاد الجلسات الرمضانية، مع تبادل الأطعمة بين الأسر وكذلك الزيارات، وفي الماضي، كان كبراء المنطقة وأئمة المساجد يختارون المسحراتي والذي كان يستخدم فناجين من النحاس ليطرقها ببعضها ليوقظ النائمين لتناول وجبة السحور، ومع تطور العصر أصبحت هذه المهنة مهددة بالانقراض على مستوى العالم العربي وليس الأردن فقط.

وفي سوريا وتحديداً في ليلة الثلاثين من شعبان، يجلس القضاة والوجهاء في المسجد الأموي بمدينة دمشق، للإعلان عن بدء الصيام، وتحرص الأسر السورية على تعليق الفوانيس التي تكون عبارة عن لمبات وأعلام وزينة على الأبواب وعلى واجهات المنازل، مع تحضير الحلوى بأيام رمضان ولعل أشهرها الكنافة، و”المعروك” وهو قرص محشو بالزبيب والعجوة وحلوى “الناعم”، وهي شبيهة بالرقاق ويوضع عليها “دبس السكر”.

وفي لبنان اعتاد أبناؤه، أيضاً على ممارسة العادات والتقاليد الرمضانية القديمة مثل “سيبانة رمضان”، التي تعتمد على قيام الأسرة بنزهة على شاطئ بيروت، وتناول الطعام في اليوم الأخير من شهر شعبان، كما يحرص اللبنانيون على المشاركة في تزيين الشوارع والشرفات بالزينة المضاءة والفوانيس للاحتفال بحلول شهر رمضان.

وفي السودان وعند ثبوت الرؤية الرسمية لهلال رمضان، يتم تنظيم مسيرة تطوف شوارع المدن، وتعرف بـ “الزفة” وتتكون من الشرطة والجوقة الموسيقية العسكرية، والفئات الشعبية المختلفة.

ولا يتناول غالبية أهل السودان إفطار شهر رمضان داخل المنازل، لا سيما في الأرياف، إذ يخرجون بموائدهم إلى الشوارع والطرقات، ويقف أهل القرى والمدن المحاذية لطرق المرور السريع مع اقتراب موعد الإفطار قاطعين الطريق أمام المسافرين، ويمنعونهم من العبور ما لم “يحلل” الصائمون صيامهم، والتزود بما جادت به موائدهم وهي عادة تكاد تجدها في كل أقاليم السودان.

ويحمل “البرش” رمزية اجتماع أهل السودان لتناول الإفطار خلال شهر رمضان الفضيل، أما الحلو مر فهو المشروب الرمضاني الأكثر شعبية بلا منازع، ويتساوى الكل في حبه وشرابه الغني والفقير، ولا تخلو منه أي مائدة، وتأتي تسميته بـ”الحلو مر” لاعتبار طعمه الذي يحمل مزيجا من الحلاوة والمرارة، وتكاد تجد رائحته التي تمثل خليطا بين توابل متنوعة في كل مكان طوال أيام شهر رمضان.

وفي جزر القمر يتوجه السكان ليلة الأول من رمضان إلى الشواطئ وهم يحملون المشاعل المتلألئة، وينشدون عددا من الترانيم مع دقات الطبول إيذاناً بقدوم الشهر المبارك، وهناك تتواصل السهرة حتى موعد السحور وبداية النهار الأول للصيام.

ويفضل الكثيرون إقامة حفلات الزواج خلال هذا الشهر، ومن العادات القمرية تنظيم الحفلات الفلكلورية على الشواطئ والمزارع والمتنزهات استعدادا لشهر الصيام، ومن أبرز العادات القمرية أيضا تنظيم وجبات الإفطار الجماعية في المساجد حيث يتشارك الجميع الطعام، وبعد صلاة التراويح يجتمع الناس في حلقات للاستماع إلى الدروس والمحاضرات الدينية.