
واشنطن في 4
سبتمبر /العُمانية/ ذكر تقرير نشرته مجلة فورين أفيرز الأمريكية أنه وبعد مرور
أكثر من نصف قرن على الحرب العربية الإسرائيلية وصدور قرار مجلس الأمن الذي أرسى مبدأ
انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في الحرب مقابل السلام والأمن، لم يحقق
الإسرائيليون أي تقدم يذكر، نحو تحقيق السلام الدائم والعادل.
ووفقًا لوكالة
الأنباء الألمانية ” د ب أ ” قال ريتشارد هاس الدبلوماسي الأمريكي
السابق والرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إن الوقت قد حان لكسر هذا
الجمود، فالوقت المتاح لتحقيق تقدم نحو اتفاق دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين آخذ
في التلاشي بسرعة، وستكون العوائق السياسية والمادية المطلوب تجاوزها للوصول إلى
التسوية أصعب من أن يتم تجاوزها خلال فترة قصيرة من الآن.
وأضاف هاس الذي
شغل منصب رئيس إدارة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية في وقت سابق: لم
تكن إسرائيل أبدًا في وضع أفضل مما هي عليه الآن لمواجهة التحدي الاستراتيجي الذي
تشكله القومية الفلسطينية، والذي سيتطلب ردًا ذا أبعاد سياسية وعسكرية، لكن هذا
الوضع الجيد لا يمكن أن يدوم إلى الأبد، فرغم وجود صديق في البيت الأبيض لإسرائيل
مستعد لدعمها بطرق مهمة، فإن الدعم الأمريكي والأوروبي طويل الأمد لإسرائيل غير
مضمون، خاصة إذا أصبح المزيد من الأمريكيين والأوروبيين ينظرون إليها كدولة منبوذة
تحرم الآخرين من حقوقهم.
وبيّن هاس أن إسرائيل تواجه خيارًا صعبًا. فإما أن تسعى بصدق إلى تسوية وتعايش سلمي
مع الفلسطينيين، أو أن تخاطر بفقدان الدعم الدولي الذي تتطلبه رفاهيتها على المدى
الطويل. ورغم أن حل الدولتين أصبح خيارًا غير مرغوب به لدى كثير من الإسرائيليين،
إلا أنه يبقى الأمل الأمثل لازدهارهم وأمنهم.
ويرى هاس أن ما
كان ممكنًا قبل سنوات أصبح الآن بالغ الصعوبة، بالنسبة لتحقيق السلام بين الطرفين. فالوضع
على الأرض تغير إلى حد كبير. فهناك الآن العديد من العقبات أمام السلام – ولا سيما
حوالي 140 مستوطنة مرخصة من الحكومة الإسرائيلية و200 بؤرة استيطانية غير مرخصة
أخرى في الضفة الغربية. وكل مستوطنة وبؤرة
استيطانية تجعل تطبيق مبدأ الأرض مقابل السلام وبناء دولة فلسطينية قابلة للحياة
أشد صعوبة؛ وكل مستوطن إضافي يوجد مقاومة سياسية لمثل هذه المقايضة ويرفع التكاليف
الاقتصادية لإعادة توطين الناس.
وأشار هاس إلى أن المشهد السياسي في إسرائيل قد تغير.. فقد تضاءل وجود أحزاب اليسار، وتعززت
أحزاب اليمين الرافضة للاعتراف بحقوق الفلسطينيين. وهذا التحول السياسي مستمر منذ
عقود ولكنه تسارع بسرعة منذ السابع من أكتوبر2023، وقد عكست حكومة رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الائتلافية، التي تعتمد على دعم ما يمكن وصفه باليمين
الديني القومي المتطرف، هذا التحول وسرعته.
وتابع: أن حل الدولتين لم يمت بعد، فمن الأفضل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء وجود
دولة مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة، يسكنها الفلسطينيون ويديرونها بأنفسهم. فوجود دولة فلسطينية في الأراضي
المحتلة يمكن أن يقلص مخاطر العنف والإرهاب الذي يستهدف إسرائيل، ففي غياب دولة
فلسطينية، من المرجح أن تواجه إسرائيل حربًا أبدية.
كما أن حل
القضية الفلسطينية سيهيئ مسارًا لاستمرار وتوسيع نطاق اتفاقيات السلام الإبراهيمي،
والتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل بشكل عام. كما أن تقليص أهمية القضية
الفلسطينية سيسمح لمؤسسة الأمن القومي الإسرائيلية بالتركيز على تهديدات ملحة أخرى.
وأوضح هاس أن قيام دولة فلسطينية مستقلة سيفيد هوية إسرائيل وتماسكها الداخلي. فإسرائيل تضم
حاليًا حوالي مليوني مواطن عربي، وقد يتجه بعضهم نحو التطرف إذا استمرت إسرائيل في
إحباط الطموحات السياسية الفلسطينية ومعاملة الفلسطينيين بهذه القسوة. والأهم من
ذلك، أن الدولة الفلسطينية ستحرر إسرائيل من خيارها بين أن تكون دولة ديمقراطية أو
يهودية: فمنح خمسة ملايين فلسطيني حقوقًا متساوية سيهدد يهودية الدولة اليهودية،
بينما حرمانهم من هذه الحقوق يهدد ديمقراطية الدولة. ومن الواضح أن جميع الدلائل
تشير إلى أن إسرائيل ستحرمهم من هذه الحقوق، وهو اتجاه لن يؤدي إلا إلى زيادة عزلة
إسرائيل الدولية.
في الوقت نفسه
سيساعد انفتاح إسرائيل على قبول وجود دولة فلسطينية على تجنب وضعية الدولة
المنبوذة عاليًا، وهي وضيعة تترسخ يومًا بعد يوم كرد فعل على حربها في غزة. كما
سيقلل هذا الانفتاح خطر فرض عقوبات اقتصادية أوروبية مشددة عليها، ويكبح جماح
انصراف الأمريكيين المتزايد عن دعم إسرائيل، وهو اتجاه قد يعرض الدعم العسكري
الأمريكي لإسرائيل للخطر مع مرور الوقت. كما أن انفتاح إسرائيل على قيام الدولة
الفلسطينية قد يقلل معاداة السامية عالميًا.
وأكد هاس أن قيام
دولة فلسطينية سيحتاج إلى مساعدة من الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية، ناهيك
عن أنه سيكون على إسرائيل التجاوب بطريقة جيدة مع التوجه الفلسطيني السلمي. وأخيرًا فإن عدم قيام دولة فلسطينية
يعني أن إسرائيل ستعيش في حالة حرب إلى الأبد.
/العُمانية/
شيخة الفليتية