“تمارين نقديّة”.. قراءات مبكّرة في روايات عالميّة

عمّان في 7 أكتوبر /العُمانية/ يعود
الناقد والأديب الدكتور غسّان عبدالخالق في كتابه “تمارين نقديّة” إلى
كتاباته النقديّة الأولى، التي شرع بها وهو لا يزال طالبًا في مرحلة البكالوريوس،
بعد اشتباكه الجمالي والمعرفي مع رائعةِ غابرييل غارسيا ماركيز (مائة عام من العزلة)،
وما كتبه لاحقًا، في تلك المرحلة المبكّرة من مشواره مع الكتابة والأدب. وإضافةً
إلى تلك “التمارين النقديّة” المُبكّرة، أضاف عبدالخالق قراءتَيْن؛
إحداهما تتعلّق برواية (الدي كاميرون)، والأخرى برواية (سيرة الشباب)، لرغبته في
استكمال طيف الرواية العالميّة، كما جاء في مقدمته.

ويُوضّح المؤلف في المقدمة، أن هناك
ثلاثة أسباب دفعته إلى اتخاذ هذه الخطوة، أولها أنّها قراءات حرة لنصوص روائية
عالمية، والرواية بحسب ما يرى “أجمل فن سردي تفتّقت عنه مخيّلة الإنسان؛ فهي
الفن الوحيد القادر على تحريرك من سطوة الزمان والمكان، وتحليقك على أجنحة من
خيال، إلى عوالمَ بعيدة كفيلة بأن تنتشلك من وحدتك وضيقك”.

والسبب الثاني، أنّ هذه القراءات هي
التي أدخلته إلى عالم الكتابة والنقد، فعرفه القراء أولًا من خلالها، وعلى الرغم من
مرور نحو أربعين عامًا على كتابة أولاها، فإنّه ما زال “منحازًا للبراءةِ
الثاوية فيها”، وما زال “حريصًا على أن تصل إلى القارئ مرة ثانية بريئة
تمامًا”.

أما السبب الثالث، فهو تلاشي تردده بسبب
صغر حجم الكتاب، لأنه قرأ “ما يكفي من الكتب الكبيرة والصغيرة”.

ويقول المؤلف عن هذه التجربة: “على
امتداد أربعين عامًا، لم تُفارقني القناعة بأنّ الناقد –أو الروائي أو المفكّر –
لا يفعل طوال سنين إنتاجه، أكثر من صقل وتطوير هواجسه الأولى، إنّه يُعيد إنتاجها في كلّ مرّةٍ برداءٍ جديد،
ومن زاويةٍ مختلفة؛ وكأنّما يريد التأكّد من أنّه أبرأ ذمّته، أو أنّه استنفد كلّ
السيناريوهات الممكنة والمتاحة، لمحاورة هذه الفكرة أو تلك”.

ويضيف: “في هذه المقالات، التي
ظللتُ طوال أعوامٍ أعتذر لها، عن الانشغال بما صار الصيغة الأكثر نضجًا وتنظيمًا
منها ولها، ضرب من الوشاية، ونمط من إفشاء سرّ البذور الأولى التي وجّهتْ
اهتماماتي النقديّة، وبالشروط التي لم أنفكّ عن الالتزام بها، وهي: الشكل
الإبداعيّ المتميّز، والمضمون المعرفيّ المتفوّق، والإحالات السياقيّة المختارة
بدقّةٍ متناهيةٍ، على صعيد التاريخ والجغرافيا والسياسة والفلسفة وعلم النفس
والأسطورة”.

ويتابع بقوله: “إنّ العودة إلى هذه
المقالات النقديّة المبكّرة، محاولة مشروعة للاعتذار إلى البدايات من جهة، ومحاولة
للنظر في قاع البئر؛ بحثًا عن شذرةٍ توارت هنا، أو شذرةٍ توارت هناك، ومن يدري؟
فرُبّ شاردةٍ تفتح الأبواب لواردة، وربّ إشارةٍ تُضيء مغارة!”.

وحملت الإضاءات العناوين الآتية:
“البيت الكبير” لساموديو: مدخل إلى الرواية في أمريكا اللاتينيّة،
“مائة عام من العزلة” لماركيز: بين تمرّد النص وسلطة النقد، و”الجنرال في متاهته”: هل نستطيع الخروج من قمقم التاريخ، و”الحبّ في
زمن الكوليرا”: ما لم يقله ماركيز، و”الشيخ والوسام” لأويونو: البحث
عن روايةٍ بكر، و”سِدْهارتا” لهيرمان هِسّه: طموح الغرب لامتلاك روح
الشرق، و”العاشق” لمارغريت دورا: بين أزمة الوجود وأزمة الوعي الروائي، و”الحياة هي في مكانٍ آخر” لميلان كونديرا: بلاغة السخرية، و”ماركو
فالدو” لإيتالو كالفينو: دون كيشوت عصر الآلة، و”سيرة الشباب” لكويتزي:
مغالبة سؤال الهويّة، و”تقرير برودي” لبورخيس: بلاغة الحكاية، و”الدي
كاميرون”: بلاغة المحنة.

ويُختَتم الكتاب بمجموعة من المهارات
والخبرات والملاحظات، التي ارتأى عبدالخالق أن ينثرها بين أيدي القراء الشباب،
بوصفهم الشريحة المستهدَفة من الكتاب، ومن تلك المهارات والخبرات والملاحظات:
“لا تتردّد في مطالعة كل ما يصادفك من مادة مكتوبة، مثل الصحف والمجلات
والقواميس فضلًا عن الكتب، ما دمت متحمسًا ومستمتعًا بهذه المادة؛ فكثير من
السِّيَر الإبداعية المكتوبة، تؤكّد أن ما يمكننا استنباطه وتخزينه من هذه المواد -لتوظيفه
لاحقًا بطريقة أو بأخرى- قد يفوق في تأثيره وأهميته، ما نطالعه في الكتب الرصينة
المشهورة”.

ويتابع عبدالخالق: “اقرأ وفكِّر
بعيونك أنت وعقلك أنت -وليس بعيون أو عقول الآخرين- ثم احكم بنفسك على ما قرأت؛
لأن غير قليل من الكتب المشهورة، قد يكون مخيّبًا لتوقّعاتك؛ شكلًا أو
مضمونًا!”، وكذلك: “لا تشرع في قراءَة كتاب جديد، قبل أن تفرغ من قراءَة
الكتاب الذي بين يديك؛ لأن هذا النمط من القراءَة سيجعلك قارئًا سطحيًّا ونَزِقًا،
وتذكّر أن القراءَة تدريب نموذجي على الصبر وقوة الاحتمال”.

/العُمانية/ شيخة الشحية