استجابة لتوجيهات صاحب السمو رئيس الدولة… الإمارات تعلن دعمًا بقيمة 550 مليون دولار لخطة الاستجابة الإنسانية العالمية للأمم المتحدة لعام ٢٠٢٦
مجلس وزراء الإعلام العرب يختتم أعمال دورته الـ 55 بمقر الأمانة العامة بالقاهرة
مندوبا عن الملك والملكةالامير طلال يكرم الفائزين بجائزة الحسين لأبحاث السرطان
الدورة السابعة لملتقى التعاون العربي -الصيني في مجال الإذاعة والتلفزيونتنعقد في الصين يومي 4 – 6 نوفمبر الحالي
أبها 23 رجب 1446 هـ الموافق 23 يناير 2025 مـ واس
إعداد / حسن آل عامر
مثَّلت أسماء الأماكن مادة خصبة للباحثين منذ عصور متقدمة في معرفة ملامح من حياة وثقافة الشعوب، بل إن بعض هذه الأسماء تُعد شاهدًا تاريخيًا مهمًا على أحداث كثيرة.
ولمعرفة الجذور اللغوية والاجتماعية لأسماء مئات الأماكن في منطقة عسير رصد الباحث الدكتور فهد بن سعيد القحطاني في كتابه “أسماء الأماكن في منطقة عسير”، الذي أكد أنه خير مرشد لمعرفة الفكر اللغوي عند من أطلق عليها مسمياتها، ومعرفة ملابسات تلك التسمية، وهي تُسهم في حفظ كثير من مفردات اللغة من الانقراض، حيث لا ضمان لبقاء تلك الألفاظ إلا إذا توثقت صلتها بما يضمن بقاءها، وكفى بالأماكن لأسمائها حافظًا.
ويضيف: أسماء الأماكن خير معين على دراسة التطور الدلالي، ومعرفة مدى بقاء الألفاظ حاملة معانيها المعجمية القديمة أو دلالات طارئة على تلك المعاني، ويُعد هذا من أبرز سمات اللغات الحية التي تُساير متغيرات العصور وثقافتها، إضافة إلى أنها تكشف طبيعة علاقة الإنسان بمكانه؛ إذ هي تُخلِّد جُلَّ ما دارها من أحداث تاريخية أو اجتماعية أو نفسية.
وفي الكتاب الذي أصدره نادي أبها الأدبي في 458 صفحة يُقدم الدكتور القحطاني نماذج تدل على علاقة أسماء بعض الأماكن في منطقة عسير بحياة وثقافة المجتمع، مثل: الزراعة التي تعد من أكثر المهن انتشارًا في المنطقة قديمًا، فجُل من سكن المنطقة كان يعمل في الزراعة، بل وأكثر أمثالهم مستوحاة من بيئة الفلاحة.
ومن المصطلحات الزراعية المعروفة التي ترتبط بالمكان “الحَرْث” وهو استصلاح الأرض للزراعة و«الحارث» من يقوم به، وهو اسم لأحد الجبال و«محراث»: أداته، و “المَحَارِث”جمع «المَحْرَث» مكان الحراثة، وهو اسم لإحدى القرى، كذلك «الحصاد» اسم لإحدى القرى كذلك “الخرف” وهو اجتناء الثمر وخَارِف اسم فاعل منه، وهو اسم لعدة أماكن في المنطقة.
ومن المصطلحات التجارية يذكر المؤلف عدة أمثلة منها كلمة “مَبْيُوع” واسم مفعول على غير قياس، وهو اسم قرية، و«آل مبايع» على زنة مُفَاعِل الدالة على المشاركة في البيع، وهو اسم قرية كذلك.
وهناك أسماء أماكن تدل بالإيحاء على معاني سعة الرزق منها “البكرة” وهي الفتية من الإبل، وقد درج أهل المنطقة على ربطها بمعاني الرزق ورغد العيش – حسب المؤلف – فهي في ذاتها وافرة اللحم مدرة للحليب، تُعين على حمل الأمتعة، ويبلغ بها المرء حاجته، وتسمية المكان باسمها يخلع عليه بدلالة الإيحاء كل تلك المعاني التي تتصف بها، من ذلك «البكرة» اسم قرية، و«البَكْرتين» اسم لجبلين، و«البكيرة» اسم قرية.
ولجمال الطبيعة الذي تشتهر به منطقة عسير أثره الواضح في تسمية الأماكن وأورد الكتاب نماذج كثيرة منها أسماء الأماكن التي تدل على معاني الخصوبة مثل: الثويلة، والحلة، والجماء، والمحجر الركيب والغلفق، والفليج…» ويشير المؤلف أن لها دلالات معجمية و دلالات إيحائية تدعو إلى الفال والاستبشار بالخير، كذلك هناك “جملة من الأسماء التي تدل على معاني الجمال الحسي” منها «البدور» جمع بدر، وهو من آيات الجمال الكونية، و”البدور” اسم لإحدى القرى و “البهاء” أي الجمال واسم مدينة «أبها» مشتق منه كذلك “الجَوهَرَة” وهي ذات دلالة إيحائية على معنى الحسن والجمال، وهي اسم لقرية، ومن أسماء الأودية المشهورة وادي “حلي” وهو لفظ يوحي بالدلالة على معاني الجمال الذي تعشقه النفوس.
ولأن منطقة عسير تشتهر كذلك بتنوع الأطعمة وفرادتها فقد سُميت بعض الأماكن بأسماء مشتقة من أسماء الأكلات الشعبية مثل: “الحنيذ” وهو اللحم ينضج بالنار في تنور يدفن في الأرض، وهو من أشهر طرائق طهو اللحم التي تعرف بها المنطقة عمومًا وقبائل تهامة على وجه أخص، ولهذا سميت إحدى القرى “محينذة” تصغير “محنذة” وهي مكان الحنيذ، ولأن “العصيدة” المصنوعة من عجينة من البر أو غيره، من الأكلات التي عرفت في المنطقة قديمًا، وما زالت حاضرة في موائد المنطقة سُمى أحد الجبال” أبو عصيدة”.
ولم يقتصر ارتباط أسماء الأماكن بالزراعة والتجارة والأطعمة بل وصل إلى “الملابس والحلي” التي تعد موروثات يُفتخر بها، وهي “ذات دلالات اجتماعية تختص بها عما سواها”، ومنها “الجَنبِيَّة” وهي خنجر يرتديه الرجال لغرض التسلح والتجمل، ويُعد رمزًا للأصالة والتراث، ولذلك تسمت بها بعض القرى في المنطقة، أما “الطَفَشَة” التي تعد غطاءً للرأس يصنع من السعف يُتقى به من حرارة الشمس، فقد سُمى بها أحد الجبال المعروفة، كذلك “المسكة” سوار من الفضة توضع في اليدين تتزين بها المرأة، وقد أطلقت اسمها على أماكن عديدة في منطقة عسير.
ويخلص الدكتور القحطاني في دراسته عن علاقة أسماء الأماكن بثقافة المجتمع إلى أن موقع المنطقة الجغرافي، وطبيعتها التضاريسية، جعلاها أكثر حفاظًا على كثير من ظواهرها اللغوية، إضافة إلى أن طبيعتها التضاريسية حالت دون الاختلاط بغير سكانها إلى عهد قريب، وأن معظم الظواهر الصوتية المعاصرة لأسماء أماكن المنطقة مما حفلت به كتب اللغويين القدماء، والقليل منها مما طرأ لاحقًا، ولا يبعد أن يكون تطورًا صوتيًا، وأن جُلَّ الأوزان الصرفية لهذه الأسماء قياسية صحيحة، والقليل منها شاذ وأن تطابق معظم الدلالات المعجمية لأسماء هذه الأماكن لواقعها التضاريسي، يدل على سعة المخزون المعجمي للقاطن الأول ودقته.
ويختم بالتأكيد أن دراسة أسماء الأماكن من أهم الأدلة المعينة على كشف علاقة اللغة بالنواحي النفسية والظواهر الاجتماعية؛ إذ كشفت أسماء المنطقة أن الجانب النفسي التفاؤلي لقاطنها الأول أكثر من جانبه التشاؤمي، ولعل السبب في ذلك يعود إلى ما حباه الله هذه المنطقة من أجواء معتدلة وأمطار غزيرة، وأراض حصينة خصبة كانت مدعاة للاستقرار البدني والنفسي، كما كشفت عن بعض ما تختص به المنطقة من الظواهر الاجتماعية التي تميزها عن غيرها.
// انتهى //
13:51 ت مـ
0085