
جيزان 20 ربيع الآخر 1447 هـ الموافق 12 أكتوبر 2025 م واس
تزدان جغرافية منطقة جازان بتنوع تضاريسها، إذ تنحدر أوديتها من الجبال الشرقية، وتنحدر مياهها عبر الأزمنة المتعاقبة لترسم ملامح الحياة، فازدهرت على ضفافها القرى والمدن، وأطلقت نهضة زراعية مدعومة بمياه وفيرة، وأراضٍ خصبة، ومراعٍ واسعة، وأشجارٍ باسقات، وحقول خضراء تحفها ترانيم الطيور وتزينها سنابل الذرة.
وقد سجَّلت كتب المؤرخين وقصائد الشعراء ذكر تلك الأودية عبر العصور، حتى غدت معالم تاريخية مشهورة بجمالها الطبيعي وغطائها النباتي وزراعتها الموسمية، ومن أبرز الأودية الجنوبية: أودية ابن عبدالله، وتَعْشر، والمغيالة، وخُلب، والخُمس، ومقاب، ووادي لِيَهْ، أما أودية النطاق الأوسط، فأشهرها: جازان، وضمد، وصبيا، ونخلان، وشهدان، وبيش، وفي الشمال تبرز أودية السِر، والرّدحة، وسمرة، وبَيض، وعتود، ووادي ريم.
ويستعرض الباحث محمد بن حسن أبوعقيل تاريخ أودية جازان كما ورد في مؤلفات المؤرخين، مشيرًا إلى أن الهمذاني ذكر وادي تَعْشر، والمُلْحة، وجُحْفان، والمغْيالة، وخُلب، وليَهْ، وصبيا، وبيش، كما تناولها ياقوت الحموي، وعبدالله النعمان… وغيرهم، إلى جانب ورودها في قصائد الشعراء القدماء؛ مما يؤكد تاريخها العريق وأثرها الاجتماعي العميق في حياة الأهالي، حيث ظلّت رمزًا للحياة والعطاء المتجدد في رفد الأراضي الزراعية.
ويتحدث أبوعقيل عن الارتباط الوثيق بين الأودية وحياة الإنسان في جازان، إذ كانت تباشير الفرح الموسمي تبدأ مع سماع الرعد وهطول المطر، ثم مع “الخَبَان” -أي رائحة السيل التي تحملها الرياح- مبشّرة بجريانه، فيخرج المزارعون منصتين لصوت السيل يهزّ جنبات الوادي، متجهًا نحو “العقوم”، وهي السدود الترابية التي تنظم سقي الأرض، وهناك يوجّهون المياه من مزرعة إلى أخرى في “ليل المساقاة”، ذلك الطقس الزراعي القديم الذي كان علامة انتهاء الجَدْب، وبداية موسم الحرث والزرع.
ويشير إلى أن جريان الأودية كان موسمًا متجددًا لزراعة الذرة بأنواعها، والسمسم، حيث تتحول المنطقة إلى حقلٍ واسعٍ ينبض بالحياة الزراعية التي تتوالى مواسمها بدءًا من موسم “الخريف” في 23 أغسطس، ثم “مذرة المخرط” في 16 أكتوبر، يليه موسم “السعودات” في 31 ديسمبر، فموسم “المقدم” في 28 يناير، وتشتهر جازان بزراعة الذرة الرفيعة بأنواعها: البيضاء، والحمراء، والشهلاء (الشاحبي)، والقهرية، والغرْب، إضافة إلى الذرة الصفراء المعروفة بـ”حَبُّ الروم”.
وأسهم ارتباط الأهالي بالأودية في جعلها محورًا للحياة في جازان اجتماعيًا وثقافيًا وسياحيًا واقتصاديًا، فعززت من مكانة المنطقة بصفتها وجهة سياحية متميزة على مستوى المملكة، وأضحت مقصدًا لعشاق الطبيعة والهدوء، بما تزهو به من مشاهد خلابة تحتضن حقول الذرة والسهول الخضراء، وتتناثر حولها أشجار الأثل والأراك والسَّلم والنخيل والسُّمر، كما شهدت ضفاف الأودية اهتمامًا متزايدًا بإنشاء المزارع الريفية التي باتت خيارًا مثاليًا يمنح الزوار تجربة فريدة في أحضان الطبيعة.
// انتهى //
11:10 ت مـ
0034