الدورة السابعة لملتقى التعاون العربي -الصيني في مجال الإذاعة والتلفزيونتنعقد في الصين يومي 4 – 6 نوفمبر الحالي
البيان الختامي والتوصيات الملتقى الإعلامي العربي 21 بيروت
تقرير عن ندوة برلين
الندوة المتخصصة لوكالات الأنباء تعقد في برلين الاثنين المقبل ٦ أكتوبر بحضور عدد من وكالات الانباء العربية واتحادها
أبها 18 جمادى الأولى 1447 هـ الموافق 09 نوفمبر 2025 م واس
إعداد: حسن آل عامر
تصوير: علي الشهري
تشكل “الحرف اليدوية” ركيزة أصيلة من “التراث الثقافي غير المادي”، ومرآةً صادقة لتفاعل الإنسان مع بيئته المحلية، بما تحمله من مهارة وإبداع وقيم جمالية متوارثة؛ تجسد الهوية السعودية وتربط الحاضر بالماضي، ومواصلة الاعتزاز بها حتى اليوم؛ تعريفًا واحتفاءً بها وتحويلها إلى قطاع اقتصادي إبداعي يسهم في تنويع مصادر الدخل ويعزّز حضور الثقافة في الحياة اليومية، انسجامًا مع مستهدفات رؤية 2030م.
يصف الباحث الفرنسي في مجال الفنون والعمارة التقليدية الدكتور تيري موجيه (1947 – 2017 م) إعجابه بمهارة وإبداع حائكات “السدو” في أحد المواقع التي زارها عام (1994م) وسط الربع الخالي جنوب شرق المملكة، ويقول: “إن عملية النسيج الشاقة هنا تعطي أفضل مثال على الاهتمام بالحرفة اليدوية البدوية، حيث يجري في كثير من الأحيان إنتاج أشياء رائعة الجمال بأقل الوسائل الممكنة”.
ويذكر “موجيه” في كتابه “بدو المملكة العربية السعودية”- الصادرة ترجمته الجديدة عام (2021م) بدعم وإشراف وزارة الثقافة – أداة النسيج المعروفة بـ “النول” بأنها من طراز فريد، أفقي وسهل الفكّ والحمل حتى أثناء العمل عليه، ويمكن إصلاح أي جزء مفقود منه بسهولة، مما يجسّد عبقرية البساطة في الإبداع الإنساني.
وفي تحول كبير أدركت المملكة هذا البعد العميق من خلال تحويل “الحرف اليدوية” إلى مشروع ثقافي وطني تبنّته الجهات الرسمية، وفي مقدمتها وزارة الثقافة، حيث أعلن مجلس الوزراء (عام 2025م) عامًا للحرف اليدوية، في خطوة تهدف إلى إبراز هذا الموروث الغني والتعريف به محليًا ودوليًا.
قصة “الحرف اليدوية” بدأت منذ آلاف السنين وكانت جزءًا من مقوّمات حضارة الإنسان في الجزيرة العربية، حيث برع الحرفيون في صناعة الأدوات والملابس والحُلي ومواد البناء، وقد سجّل الشعر العربي القديم تقديرًا لهذه المهارات، وامتدح شعراء آخرون دقة الحياكة والبناء، مما يؤكد المكانة المرموقة التي حظي بها الحرفي في المجتمع العربي القديم.
ويُقصد بالحرف اليدوية الأنشطة التي تعتمد على المهارة والإبداع الفردي باستخدام خامات البيئة المحلية لتحويلها إلى منتجات ذات قيمة نفعية وجمالية، وغالبًا ما تُنتَج هذه القطع دون اعتماد على الآلات الحديثة، ما يجعل كل منتج فريدًا بطابعه الإنساني الخاص.
ويضم هذا القطاع فئاتٍ متنوعة من الحرفيين المتخصصين والهواة والباحثين، ممن يسهمون جميعًا في حفظ هذا الإرث ونقله إلى الأجيال الجديدة.
وتزخر مناطق المملكة بتنوّع كبير في “الحرف اليدوية” يعكس تنوّعها الجغرافي والثقافي؛ ففي البادية برز “السدو” وبيوت الشعر المصنوعة من صوف الإبل والماعز، وفي الجبال انتشرت صناعة الأدوات الخشبية والفخارية، بينما اشتهرت السواحل بصناعة القوارب وشباك الصيد، والمناطق الزراعية بصناعات الليف والخوص المستمدة من النخيل.
وتظل كسوة الكعبة المشرفة ذروة الحرف الإسلامية ورمزها الروحي الأسمى؛ تُنسج من حرير طبيعي أسود وتُطرَّز آياتها بخيوط الذهب والفضة، وتُبدَّل سنويًا غرة كل عام هجري وفق عملية دقيقة تبدأ برفع الجزء السفلي في موسم الحج حمايةً لها، ثم تفكيك اللوحات وخياطتها وتركيبها على الجدران الأربعة.
ويقدر حجم المواد المستخدمة بآلاف الكيلوغرامات من الحرير، وعشرات الكيلوغرامات من خيوط الذهب والفضة، لتبقى هذه الكسوة شاهدةً على تفرّد الحرفة وسموّ معناها الديني والثقافي.
وتمثل عمارة الطين اليوم أنموذجًا حيًّا لتوظيف المعرفة التقليدية في المشروعات التعليمية والتجريبية الحديثة، فلو أخذنا العمارة النجدية القديمة كأحد الأمثلة، سنجد أنها تقوم على الطوب اللَّبن والمواد المحلية بتقنيات تتكيّف مع المناخ الصحراوي، فالجدران السميكة تعمل عازلًا طبيعيًا، والأفنية الداخلية تمنح توازنًا حراريًا وتهويةً مستمرة عبر “الفرجات” و”الشرفات” التي تشكّل هوية المكان.
ويحتفظ “السدو” بمكانته كذاكرةٍ حيّة للنسيج البدوي، حيث تتولى النساء حياكته أفقيًا على “نولٍ” أرضي بأسلوب “النسج الوجهي”، مستخدمات صوف الإبل والوبر في تشكيلات هندسية تستلهم الصحراء وألوانها.
ونجحت المملكة في تسجيل عنصر “حياكة السدو” ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة “اليونسكو” كملف مشترك مع دولة الكويت الشقيقة، وتم إعلان التسجيل خلال اجتماعها السنوي في ديسمبر (2020م).
وفي السياق ذاته، يبرز فنّ الأبواب النجدية المنحوتة يدويًا والمزخرفة بزخارف هندسية ونباتية متقنة، بوصفه امتدادًا لموروث البيت والأسواق القديمة، ويوثّق الحرفيون اليوم تقنيات الحزّ والنحت الطبقي وتلوين النقوش في أبواب ثلاثية الأبعاد، بدعم من مبادرات وطنية تهدف إلى تمكين الحرفيين وتوثيق النقوش وإدماجها في منتجات معاصرة.
وتتجلّى في مجال “الحرف الورقية” براعة حرفة التجليد والتذهيب، التي تجمع بين الفن والعلم في صون المخطوطات والكتب القديمة، تبدأ العملية من إعداد الغلاف الجلدي وخياطة الكعوب والصفحات، مرورًا بزخرفة الأسطح وضرب القوالب وتذهيب العناوين.
وتبرز دراسات عديدة مدارس التجليد الإسلامي وموادها التاريخية، فيما تعتمد هيئة التراث هذه الحرفة ضمن السجل الوطني للحرف التقليدية.
أما الدِّلال العربية فتُعد من رموز الضيافة التي تحمل بصمات مناطقها وصُنّاعها، إذ تبرز “الدلة الحساوية” و”القرشية” المرتبطة بمكة المكرمة وتقاليد الضيافة الحجازية، و”القريشيات الحائلية” التي تحتفظ بتسميات وزخارف محلية مميزة، حيث أصبحت بعض الأنماط القديمة تُقتنى في المزادات لهويتها الفنية، مؤكدةً أن الدلة ليست وعاءً للقهوة فحسب، بل سجلًّا حرفيًا وثقافيًا يروي تاريخ المجتمع وصانعه.
وفي الأحساء، أصبحت حرفة صناعة “البشوت” رمزًا للأناقة الوطنية، التي ما زالت تحافظ على طابعها التقليدي رغم المنافسة الصناعية، إذ تتوارث عائلات الحياكة والتطريز أسرار صناعتها بخيوط الزري الذهبية والفضية والحريرية، وتتنوّع مدارس التطريز وألوان الأقمشة بين الأسود والسكّري والأبيض وألوانٍ حديثة لاقت رواجًا بين الشباب، فيما توثقت أسماء صُنّاعٍ في الهفوف والمبرز، مبرزةً أنماط التطريز الثلاثة واستخدام الزري الفاخر في القطع الاحتفالية الرفيعة.
أما صناعة “السُّبح” فتشكّل فنًا دقيقًا يجمع بين الخشب والعقيق والكهرمان والمواد الحديثة، وتتكوّن السبحة من خرزٍ رئيسي و”فواصل” و”شاهد” و”كركوشة”، وتختلف مدة صناعتها حسب المادة، إذ قد تمتد من يومٍ واحد إلى شهر عند استخدام الكهرمان النادر. كما تتنوّع الخيوط بين القطن والحرير والنايلون تبعًا للمدرسة الحرفية والأسلوب الفني.
ويُعدّ “القط العسيري” من أبرز الحرف اليدوية الإبداعية السعودية المسجّلة ضمن القائمة التمثيلية الخاصة بالتراث الثقافي غير المادي لدى المنظمة الدولية التابعة للأمم المتحدة، حيث يُعد من الأنماط الزخرفية التي تشتهر بها منطقة عسير، ويتميّز بالأشكال الهندسية والنقوش الملوّنة على الجدران الداخلية للمنازل التقليدية، ويعتمد على الزخارف البديعة التي تستوحي أبعادها ودلالاتها من الثقافة المحيطة، وخصوصًا ألوان الطبيعة.
وتشير الإحصاءات الرسمية لهيئة التراث إلى تسجيل (51) حرفة معتمدة عبر منصة “أبدع”، إضافة إلى تسجيل (9824) شخصًا في السجل الوطني للحرفيين، منهم (2042) حرفيًا و (778) حرفية، مما يعكس المشاركة الواسعة للنساء في هذا المجال.
وتقدّم منصة “أبدع” الإلكترونية خدماتٍ متنوعة تدعم حيوية القطاع الثقافي السعودي، وترفع من كفاءته وجاذبيته الاستثمارية، بما يجعل من الثقافة عاملًا مؤثرًا في الاقتصاد الوطني، ومجالًا حيويًا فعّالًا يحقق مستهدفات رؤية السعودية 2030م، حيث تقدّم فئاتٍ متعددة من التراخيص في مجال الحِرف اليدوية للأفراد والمنشآت، وهي: رخصة ممارس حرفي (أفراد)، ورخصة محل بيع منتجات حرفية تراثية يدوية (منشآت).
وبحسب دراسةٍ اقتصادية أعدّتها ونشرتها الغرفة التجارية الصناعية بأبها عام (2024) تتركز الكثافة الحرفية في ست مناطق تمثل (76%) من إجمالي الحرفيين في المملكة، وهي: مكة المكرمة، الرياض، المدينة المنورة، المنطقة الشرقية، عسير، تبوك، والجوف. ويعمل حوالي (30%) من الحرفيين في خمس حرفٍ رئيسة هي: التطريز، السدو، صناعة الأعشاب العطرية للزينة، صناعة الحلوى الشعبية، والخوصيات، بينما يتوزع الباقي على أكثر من (40) مجموعة حرفية فرعية.
وأكدت الدراسة أهمية تسويق المنتجات الحرفية الوطنية من خلال بناء هوية تجارية قوية للحرفيين، واستهداف الفئات المهتمة محليًا وعالميًا، والاستفادة من المنصات الرقمية لعرض المنتجات وتسويقها بفعالية.
وجاء إنشاء المعهد الملكي للفنون التقليدية (وِرث) لتعزيز وتطوير آليات حفظ التراث الثقافي السعودي الأصيل وتحفيز الابتكار في مجالي الحرف والفنون، حيث يقدّم برامج تعليمية وتدريبية متخصصة، ويسهم في الحفاظ على الأصول الوطنية وتعزيز القدرات الإبداعية من خلال عقد دوراتٍ وفعالياتٍ متخصصة في مجالاتٍ عدة، منها: “فنّ وصياغة المجوهرات”، و”تقنيات البناء التقليدي”، و”صناعة الأواني الخشبية التقليدية”، و”القط العسيري”، إلى جانب برامج أخرى مثل “استخلاص الألوان الطبيعية وتطبيقاتها”، و”جودة المنتجات التقليدية”، و”الأزياء التقليدية السعودية”.
وتهدف هذه المبادرات إلى تمكين الحِرفيين والمبتدئين من المساهمة في السوقين المحلي والعالمي، وربط المهارات التقليدية بسياق الاقتصاد الإبداعي الحديث. وبحسب المعهد، فإن هذه البرامج تشكّل جزءًا من رؤيته لتعزيز مكانة الحِرفة والفنّ التقليدي في المملكة.
وأطلقت وزارة الثقافة مبادراتٍ عدة، من أبرزها تأسيس الشركة السعودية للحرف والصناعات اليدوية، وإنشاء (27) مركزًا للإبداع الحرفي في مختلف المناطق، وإطلاق برنامج التراث الصناعي لحفظ الموروث الإنتاجي الوطني.
ومن المبادرات اللافتة أيضًا مشاركة هيئة التراث مع شركة “سار” في تزيين محطة قطار الحرمين بمكة بـ (168) قطعة حرفية، بين فخارياتٍ ولوحاتٍ ومنسوجاتٍ ومجسّماتٍ خشبية، لتكون الحرف السعودية جزءًا من المشهد العام وتُعرَض أمام الزوار والحجاج والمعتمرين.
كما تشهد مبادرة “بيوت الحرفيين” توسعًا متسارعًا، إذ ارتفع عدد المرافق من (12) بيتًا في عام (2023م) إلى (14) في عام (2024م) مع افتتاح بيوتٍ جديدة في الرياض وجازان والمدينة المنورة، وتوفّر هذه البيوت فضاءاتٍ تدريبية وتسويقية للحرفيين، وتُسهم في صقل مهاراتهم وتطوير منتجاتهم بما يناسب ذوق العصر مع الحفاظ على الأصالة.
ومع إعلان عام (2025م) عامًا للحرف اليدوية، تتكامل الجهود الحكومية لتوثيق الموروث الحرفي وتمكين الحرفيين، وربط الحِرفة بالهوية الوطنية لتصبح نشاطًا اقتصاديًا مستدامًا.
وتعمل وزارة الثقافة وهيئة التراث على تنفيذ برامج ومعارض ومسابقاتٍ تدريبية في مختلف المناطق لترسيخ مكانة الحرف بوصفها تراثًا حيًّا يُعاد اكتشافه وتوظيفه في الحياة المعاصرة، كما قدمت ضمن برامجها “منحة بحثية” عن الحِرف اليدوية خلال العام الجاري، لدعم الأبحاث المتخصصة في هذا المجال بوصفه مكوِّنًا حيًا يعكس الهوية الثقافية للمملكة، ويحمل دلالاتٍ اجتماعيةً واقتصاديةً ومعرفيةً ممتدةً عبر التاريخ.
وأسفرت نتائج المنحة عن اختيار (10) باحثين من (124) طلبًا وردت من سبع دول، وبلغ عدد الطلبات المستوفية للشروط (64) طلبًا تقدّم بها (55) باحثًا فرديًا وتسع فرقٍ بحثية، وقد خضعت جميع المقترحات لمراجعةٍ علمية دقيقة، انتهت باعتماد الأبحاث المقدَّمة وفق معايير المنحة وإرشاداتها، واختيار الأبحاث المرشّحة من قِبل لجنةٍ علميّة متخصصة.
وارتكزت الأبحاث المقبولة على ستة محاور رئيسة تغطي تاريخ الحِرف اليدوية وتطوّرها عبر العصور، وتعزيز الحِرف اليدوية وجهود ترسيخها، والأثر الاقتصادي للحِرف اليدوية وتنمية القدرة التنافسية للاقتصاد الإبداعي، إلى جانب التكنولوجيا واستخداماتها في الحِرف اليدوية، والمجتمع، ومفاهيم الحِرف والصناعات الثقافية اليدوية.
ويجسد المشهد العام للحرف اليدوية في المملكة اليوم تلاقي الأصالة بالحداثة، فعمارة الطين تعود كنموذجٍ للاستدامة البيئية، والسدو ينتقل من خيام البادية إلى منصات اليونسكو، و “البشت الأحسائي” يظل رمزًا للأناقة الوطنية، والدلة والأبواب النجدية تتحولان إلى مكونات تصميمٍ معاصر.
ومع منظومة الدعم والترخيص والتدريب، يتحوّل هذا الإرث الثقافي إلى موردٍ اقتصادي ومعلمٍ من معالم الهوية السعودية التي تُرى وتُقتنى وتُمارس.
// انتهى //
11:35 ت مـ
0044