حِرَفٌ عمانيّةٌ تتجدَّدُ بروح الإبداع: الحرفيون العُمانيون يسردون حكاية التراث بأدوات العصر

مسقط في 20 أكتوبر /العُمانية/ تسرد الحِرَفُ التقليدية في سلطنة عُمان
فصولًا من تاريخٍ زاخر بالعراقة، وتُشكّل جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية والموروث
الثقافي الذي توارثته الأجيال. وبرغم تحديات العصر وتسارع وتيرة الحياة، لا تزال
أيادي العُمانيين تنسج من الحجارة، والسعف، والخشب، حكايات إبداعية تُترجم روح
التراث برؤية عصرية.

يعدّ أحمد بن عبد الله العلوي أحد الوجوه البارزة في مجال تشكيل الحجريات
والفخاريات، حيث انطلقت مسيرته في هذا الفن عام 2010 من شغفٍ عميقٍ تجاه التراث
العُماني. يقول: “بدأت بمحاكاة الأواني الفخارية والحجرية باستخدام الحجر
الطبيعي، ووجدت أن الحرفة تميل لأن تكون عملًا فنيًّا أكثر من كونها مجرد مهنة
تقليدية”.

ويضيف: “هي هواية ومصدر رزق في آنٍ واحد، لكنّها تتطلب جهدًا وصبرًا
كبيرين، لا سيّما أنها لا تعتمد على تقنيات حديثة، بل تُنجز باستخدام أدوات بسيطة
وخامات عمانية 100%”. ويُشير إلى أنه الحرفي الوحيد الذي يمارس هذا النوع من
الفنون الحجرية باستمرار داخل سلطنة عُمان.

ويُواجه العلوي تحدياتٍ عدة، أبرزها شحّ المنافذ التسويقية وضعف الإقبال
خارج المواسم السياحية، على الرغم من الدعم الذي يتلقاه من المؤسسات المتوسطة
والصغيرة، ومشاركته في نحو 18 ورشة تدريبية. ويأمل أن يمتلك في المستقبل ورشةً
فنية متخصصة يمكن من خلالها تدريب الشباب واستقبال الزوار، مؤكدًا أن “رؤية
السائح لعملية تشكيل المنتج تزيد من تقديره له”.

من بين أنامل نسائيةٍ مبدعة، تحكي زهرة بنت علي العلوي قصةً ملهمة عن
تمسّك المرأة العُمانية بتراثها. بدأت رحلتها مع حرفة السعفيات منذ أكثر من 15
عامًا، بعد أن تعلّمتها من إحدى قريباتها، لتصبح لاحقًا مصدر فخر يعبّر عن هوية الأجداد.

“السعفيات ليست مجرد
زينة، بل هي تراث حيٌّ في كل بيت عُماني”، تقول زهرة، التي أدخلت ألوانًا
وخامات جديدة على السعفيات كالقماش وخيوط الصوف، لتواكب الأذواق الحديثة مع الحفاظ
على جوهر الحرفة.

وتوضح أن المواد التي تستخدمها طبيعية بالكامل، تُستخرج من النخلة، مما
يمنح منتجاتها طابعًا بيئيًّا مستدامًا. غير أن الوقت الطويل الذي تستغرقه عملية
الإنتاج يُشكّل تحديًا كبيرًا أمام تحقيق عوائد مالية مجزية.

وتسوق منتجاتها عبر المعارض ومنصات التواصل الاجتماعي، وتطمح أن تصبح
مدربةً معتمدة في إحدى الشركات المحلية، وأن تمتلك ورشةً خاصة بها لتدريب الراغبين
في تعلم هذا الفن. وقد درّبت زهرة فتياتٍ من جنسيات متعددة، وتؤكد أن المجتمع
يُقدّر هذه الحرفة ويدعم استمرارها.

أما يحيى بن محمد المسكري، فهو من الحرفيين البارزين في صناعة
“المناديس”، وهي صناديق خشبية تقليدية تُستخدم لحفظ المقتنيات الثمينة.
استقى الحرفة من والده -رحمه الله- منذ نعومة أظفاره، ورافقه في ورشة منزلية على
مدى أكثر من 25 عامًا.

يقول المسكري: “صناعة المندوس ليست مجرد تقطيع خشب وتجميعه، بل فن
دقيق يتطلب مهارة في النقش على صفائح النحاس وتناسق التصميم، وقد واجهنا صعوبات
كبيرة في توفير المسامير النحاسية والأخشاب النوعية مثل خشب التيك”.

وبالرغم من ارتفاع تكلفة الإنتاج، ما زال المسكري يواصل إحياء هذه الحرفة،
ويسعى إلى إنشاء مصنع متكامل يديره شبابٌ عمانيون، وتصدير منتجاته إلى الأسواق
الإقليمية والعالمية. كما ابتكر مؤخرًا تصميمًا حديثًا لصندوق مندوس متعدد
الاستخدامات، يجمع بين التراث والوظائف العصرية.

ويؤكد المسكري أن الدعم الحكومي متمثلًا في هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة
والمتوسطة ووزارة التجارة ووزارة التراث، أسهم بشكل ملموس في استمرار الحرفيين،
داعيًا إلى توفير بيئة إنتاجية أفضل وأسواق خارجية تفتح آفاقًا جديدة.

يجمع الحرفيون الثلاثة على أن الحرف التقليدية ليست مجرد ماضٍ نعتز به، بل
موردٌ ثقافي واقتصادي ينبغي تنميته، خاصةً في ظل أهداف رؤية عُمان 2040 التي تولي
اهتمامًا خاصًا بالهوية الوطنية، وتنمية المحافظات، والاقتصاد الإبداعي.

ويؤكدون في رسالتهم للأجيال الجديدة على أهمية التعلم والصبر، وعدم
الانصراف عن الموروث الأصيل تحت وطأة التحديات، مشددين على أن هذه الحرف تُجسّد
تاريخًا وتُثري الحاضر وتُمهّد لمستقبلٍ مشرقٍ أكثر ارتباطًا بالجذور.

/العُمانية/النشرة
الثقافية

أمل السعدية