
عمّان في 20 أكتوبر /العُمانية/ تعد رحاب الدجاني واحدة من أبرز الحرفيّات
في مجال التطريز اليدوي بالأردن، حتى تحوّل بيتها بمرور الزمن إلى متحف تنتشر في
أركانه قطع المطرزات بأشكال وألوان متنوعة.
واتخذت الدجاني هذا المسار قبل عقود؛ إيمانًا منها بأهمية الحفاظ على
التطريز اليدوي بوصفه فنًّا تقليديًّا يشكّل جزءًا من الهوية الثقافية التي ينبغي
الحفاظ عليها، عن طريق توثيق أصوله ومسمياته وطرق تنفيذه المرتبطة بحياة الناس
ومناسباتهم وطبيعتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
وبدأت الحرفية مسيرتها في عالم التطريز منذ سنوات صباها في القدس، حيث
تعلّمت هذه الحرفة من والدتها، التي كانت تُجيد فنون التطريز التقليدية، ومع الزمن
طوّرت الدجاني مهارتها مستندةً إلى ما تمتلكه من شغف، وحاولت أن تمنحها طابعًا
عصريًّا عبر أعمال هي بمثابة لوحات فنية مكتملة وجداريات غاية في الدقة والإتقان.
وفي عام 1973 قررت الدجاني امتهان التطريز الذي برعت به واستمرت فيه حتى
اليوم، منجزةً طيفاً واسعاً من المنتجات، مثل اللوحات الفنية، والمفارش، والحقائب،
والإكسسوارات، التي تحمل رموزًا أصيلة أبرزها الزخارف التقليدية، والطائر الوطني،
والزهور البرية، بالإضافة إلى رموز تؤكد ثيمة الصمود من مثل رسومات لشخصية
“حنظلة”، ومفتاح العودة.
وتكشف أعمالها عن حضور كبير للخط الكوفي الذي نُفذت باستخدامه العديد من
اللوحات الموشاة بآيات قرآنية، وكانت الفنانة قد بدأت في أعمالها الأولى مع سورة
الفاتحة التي وجدتها مكتوبة فوق أوراق “روزنامة” قديمة، فقامت بنقل
الآيات، ثم أحاطتها بالتطريز التقليدي كنوع من الزينة، بعد ذلك بدأت البحث عن آيات
أو سور أخرى كُتبت بهذا الخط ونقلها وتأطيرها أو تزيينها بخيوط الحرير.
وتوضح الدجاني أنها انشغلت منذ عامين بمشروع تطريز لمفتاح القدس، وخريطة
فلسطين، والأثواب التي ترتبط بثقافة المكان وساكنيه كنوع من المقاومة بالفن
والتأكيد على تشبث الفلسطيني بأرضه وعمق الجذور التي تربطه بها وامتدادها.
كما تكشف أعمال الدجاني عن طبقات لونية متدرجة، واعتماد خياطة دقيقة تسهم
في إثراء الأبعاد البصرية والنفسية لكل عمل، وهي تلجأ للخياطة اليدوية كأساس
للقطعة التي تشتغل عليها، ثم تنفذ تطريزاتها فوقها مراعيةً طبيعة القماش وسماكته،
وغالباً ما تستخدم أشهر الغُرَز المعروفة في التراث الشعبي من مثل: السلسلة،
والصليب، والوردة، والحشو التي تضفي كثافة وحجماً للغرزة، والمزدوجة التي تعبّر عن
الحركة الانسيابية.
وفيما يتعلق بالألوان، تعتمد على مزج عدة ألوان على قطعة واحدة؛ لتحقيق
تأثير التظليل والعمق البصري، وغالبًا ما تستخدم الأحمر لإبراز النقاط المحورية،
والأخضر لمكونات الطبيعة، والأسود للخطوط الأساسية التي تحدد شكل النقش، كما تعتمد
الكولاج على القماش كتقنية فنية لدمج أقمشة مختلفة مثل الحرير والكتان والقطن،
مضيفة تجسيدًا ثلاثي الأبعاد على قطعها، وملمسًا حسيًّا متفاوتًا تبعًا للطبقات
المتعددة فيها، وهي تستخدم أحياناً حبات اللؤلؤ والأحجار الكريمة الصغيرة أو الخرز
المعدني لتعزيز العناصر البارزة في تصميماتها وبخاصة تلك المستوحاة من الأشكال
الهندسية.
وتتكرر في مشغولات الدجاني الخطوط الهندسية التي تشكّل إيقاعاً بصرياً
يُمثل الوحدة والتوازن، كما تقدم الفنانة مفردات التراث برؤية تجديدية، حيث تمزج
بين النقوش الكلاسيكية والتصاميم المعاصرة، فتظهر الأعمال بروح جديدة وأسلوب مبتكر.
/العُمانية/ النشرة الثقافية/
شيخة الشحية