
غزة في 17 سبتمبر /العُمانية/ شهد قطاع غزة تصعيدًا عنيفًا أمس الثلاثاء مع توسيع جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته البرية وسط قصف مكثف وتحذيرات أممية من حدوث “إبادة جماعية”، بينما ارتفع عدد الضحايا وتوالت الإدانات الدولية للعملية العسكرية وقيود على وصول فرق الإغاثة والمساعدات الإنسانية.وجاءت تطورات الميدان تزامنًا مع توجيه لجنة تحقيق دولية مستقلة تابعة للأمم المتحدة اتهامات لإسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، وتمثل هذه المرة الأولى التي تخلص فيها لجنة تحقيق أممية إلى وجود إبادة جماعية من جانب إسرائيل.ورفضت الخارجية الإسرائيلية التقرير، واصفة إياه بـ”المنحاز والخاطئ”، وطالبت بحل اللجنة فورًا، متهمة أعضاءها بأنهم “وكلاء لحماس” ومعروفون بمواقفهم “المعادية للسامية”.من جانبه، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن إسرائيل تمضي بإصرار نحو “الذهاب حتى النهاية” في عمليتها العسكرية بغزة، مشيرًا إلى غياب الانفتاح على أي مفاوضات سلام جدية.وفي وقت سابق، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيان أنه شرع في عملية برية واسعة بمدينة غزة.وأضاف: “خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، شرعت قوات الجيش النظامية والاحتياطية من الفرق 98 و162 و36 بعملية برية واسعة في أرجاء مدينة غزة في إطار عملية ’عربات جدعون 2’ (لاحتلال غزة)”.وخلال الأسابيع الماضية، كثّف الاحتلال استهدافه للأبراج والعمارات السكنية في غزة في سياسة، ويقول مسؤولون فلسطينيون إنها تهدف لإجبار الفلسطينيين على النزوح من المدينة إلى مناطق جنوبي القطاع.وأكد شهود عيان أن “القصف لا يزال عنيفًا على مدينة غزة، وأعداد الشهداء والمصابين في تزايد”.وأعلنت فرق الدفاع المدني استشهاد 108 أشخاص في القطاع أمس الثلاثاء.وتحوّلت أغلب أحياء مدينة غزة إلى أنقاض بفعل سلسلة الضربات الجوية المستمرة منذ قرابة عامين.وأعقبت مرحلة العمليات الجديدة زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لإسرائيل بعد أيام من استهداف قيادات من حماس في الدوحة، حيث حذّر روبيو قبيل مغادرته إلى قطر من أن أمام حماس “مهلة قصيرة جدًا” لقبول اتفاق لوقف إطلاق النار.من جانبه، أشار فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، إلى أن “العالم بأسره يطالب بالسلام. الفلسطينيون والإسرائيليون يريدون السلام”. وقال: “من الواضح جدًا أنه يجب أن تتوقف هذه المذبحة”.وبيّن الاتحاد الأوروبي أن توسيع العمليات الإسرائيلية سيؤدي إلى “مزيد من الدمار والموت والنزوح، ويعرض حياة الرهائن للخطر”.وقوبلت الخطوة العسكرية الإسرائيلية بإدانات عالمية؛ حيث وصفتها الخارجية البريطانية بـ”المتهورة والمروعة”، كما اعتبرتها برلين “توجهًا خاطئًا”.وأدانت فرنسا الهجوم البري، ودعت حكومة نتنياهو إلى “وقف هذه الحملة التدميرية التي فقدت أي منطق عسكري”.وطالبت باريس أيضًا “برفع كل القيود عن دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة على الفور”.وعبّر ملك إسبانيا فيليبي السادس عن استنكاره لـ”المعاناة غير المحتملة لمئات آلاف الأبرياء” في غزة و”الأزمة الإنسانية التي لا يمكن تحملها”.ووصف وزيرا خارجية ألمانيا يوهان فاديفول والسويد ماريا مالمر ستينرغارد الهجمات البرية الجديدة التي شنها الجيش الإسرائيلي لاحتلال مدينة غزة بأنها مخالفة للقانون الدولي.من جانبها، رأت حركة حماس أن توسيع تل أبيب عملياتها العسكرية في المدينة يمثل “فصلًا جديدًا من فصول حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحق أهل غزة”.وقالت المتحدثة باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تيس إنغرام: “إن النزوح الجماعي القسري للعائلات في قطاع غزة تهديد مميت للفئات الأكثر ضعفًا”، مع استمرار تساقط القنابل على مدينة غزة في إطار العملية العسكرية الإسرائيلية المتصاعدة.وأضافت: “من غير الإنساني أن نتوقع من قرابة نصف مليون طفل، ممن عانوا من العنف والصدمات النفسية جراء أكثر من 700 يوم من الصراع المتواصل، أن يفرّوا من جحيم لينتهي بهم المطاف في جحيم آخر”.ووصفت إنغرام النازحين بأنهم “بحر من الخيام المؤقتة واليأس الإنساني”، حيث الخدمات غير كافية لدعم مئات الآلاف الذين يعيشون هناك بالفعل.واستذكرت أن منطقة المواصي تعرضت لهجوم قبل نحو أسبوعين، قُتل فيه ثمانية أطفال أثناء وقوفهم في طابور للحصول على الماء، وكان أصغر الضحايا في الثالثة من عمره.وتابعت: إن سوء التغذية لدى الأطفال في غزة يتفاقم، مشيرة إلى أنه وفقًا لتقديرات اليونيسف، يحتاج حوالي 26 ألف طفل في القطاع حاليًا إلى علاج لسوء التغذية الحاد، بما في ذلك أكثر من عشرة آلاف طفل في مدينة غزة وحدها، التي تم تأكيد وجود المجاعة فيها أواخر الشهر الماضي.وأفادت إنغرام بأن مزيدًا من مراكز التغذية في مدينة غزة أُجبرت على الإغلاق هذا الأسبوع بسبب أوامر الإخلاء والتصعيد العسكري، مما “حرم الأطفال من ثلث مراكز العلاج المتبقية التي يمكن أن تنقذ حياتهم”. وأكدت أن العاملين في المجال الإنساني لا يزالون في مواقعهم ويواصلون الاستجابة للأزمة، “لكن الأمر يزداد صعوبة مع كل قصف وكل منع”.من جانبه، كرر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة دعوته للقوات العسكرية الإسرائيلية إلى “وقف التدمير الهمجي لمدينة غزة على الفور، والذي يبدو أنه يهدف إلى إحداث تحول ديموغرافي دائم، وهو ما يرقى إلى التطهير العرقي”.وفي بيان له، أكد المكتب أن القصف المستمر على المباني السكنية في المدينة “يدمر آخر عنصر قابل للحياة من البنية الأساسية، مما يقوض أي احتمال لبقاء المدنيين على قيد الحياة”.كما أشار المكتب إلى إغلاق القوات العسكرية الإسرائيلية معبر زيكيم الحيوي الواقع شمال غزة، مما أدى إلى توقف كامل لتدفق المساعدات الإنسانية، “والذي قد يؤدي إلى تفاقم المجاعة في المنطقة”.وفيما يزداد النزوح الجماعي إلى جنوب القطاع ويتفاقم الاكتظاظ وترتفع الحوادث المتعلقة بالحماية، أكد المكتب أن السلطات الإسرائيلية تواصل فرض قيود على إدخال الخيام وغيرها من المواد على نطاق واسع إلى قطاع غزة، التي تعد “الحاجة الأكثر إلحاحًا لضمان الكرامة والسلامة أثناء النزوح”.وقال مكتب حقوق الإنسان إن سلوك القوات العسكرية الإسرائيلية في غزة يثير مخاوف بشأن ارتكاب “مجموعة كاملة من الجرائم بموجب القانون الدولي”، وعليه يجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات ملموسة “لوقف هذا التدمير والقتل والنزوح غير المبرر”.وفيما يتعلق بالتعليم، شدد مكتب حقوق الإنسان على أن حرمان الأطفال الفلسطينيين من التعليم لثلاث سنوات دراسية متتالية، إلى جانب مقتل آلاف الطلاب وتدمير البنية التعليمية الأساسية، “يمثل حالة طوارئ إنسانية وانتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي”.ووفقًا لوزارة التعليم الفلسطينية، قُتل أكثر من 17,237 طالبًا مدرسيًا و1,271 طالبًا جامعيًا، إلى جانب 967 من الكادر التعليمي منذ بداية الحرب في غزة، فيما وجدت الأمم المتحدة أن 97% من مدارس القطاع تضررت بسبب الصراع.وخلّفت هذه الإبادة منذ السابع من أكتوبر 2023، 64 ألفًا و964 شهيدًا، و165 ألفًا و312 مصابًا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 428 فلسطينيًا بينهم 146 طفلًا./العُمانية/
شيخة الفليتية