
عمّان في 13 أكتوبر/العُمانية/
يرتاد الباحث الأردني صادق إنعام الخواجا في كتابه “رسالة في اللغة
والمنطق” عوالم فكرية وفلسفية غير تقليدية بينما يحاول إعادة تعريف اللغة
والمنطق بوصفهما جوهر الوجود الإنساني لا مجرد أدوات تواصل أو تفكير عادية.
تقوم فرضية الكتاب الصادر
مؤخرًا عن “الآن ناشرون وموزعون” على أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل،
بل هي الكينونة ذاتها أو جوهر التفكير ذاته، فهي “ليست مجرد أصوات يلفظها
الإنسان، بل نظام داخلي معقّد يُفعّل الذاكرة وينظّم فعل العقل ويُنتج الفكر بشكل
متداخل لا انفصال فيه”.
من هذا المنطلق، يتتبع المؤلف
العلاقة بين الصوت والنطق والمعنى، ليصل إلى أن “كل فكرة هي كلمة، وكل كلمة
هي فكرة، ولا يمكن فصلهما أو التعامل معهما ككيانَيْن مستقلَّين”.
ينظر الخواجا إلى اللغة كنظام
صوتي وجدلي يعكس تركيب الجسد الإنساني وتفاعلاته مع محيطه، مستعرضًا كيفية نشوء
اللغة من تفاعل الأصوات الداخلية للإنسان -كنبض القلب، وأنفاس الرئتين، وتناغم
الأعضاء المختلفة- مع الأصوات الخارجية التي يلتقطها من العالم، هذه الأصوات، التي
قد تبدو عشوائية في ظاهرها، تتحول عبر عمليات عقلية وعصبية معقدة إلى “تراكيب
لغوية محملة بالمعنى”، ومنها يُبنى نسيج المعرفة الذي يُخزّن ويُستعاد
ويُطوّر الحضارة الإنسانية.
ويمتد النقاش في الكتاب إلى
مفهوم المنطق، حيث يفكك الخواجا المفهوم التقليدي السائد للمنطق بوصفه “قواعد
صورية جامدة ومعزولة عن الواقع”، ليعيد تأسيسه كمنهج جدلي ينبع من الواقع
ويتحرك معه. فالمنطق عنده ليس معيارًا نهائيًّا للحقيقة، بل هو “أداة لغوية
حية لوصف الحقيقة وتشكيلها وتطويرها عبر الزمن”.
ويقارن الخواجا بين المنطق
الأرسطي التقليدي، والمنطق البياني عند المعتزلة، والمنطق الجدلي عند هيجل، ليخلص
إلى ضرورة “تأسيس منطق لغوي جديد ينبع من طبيعة اللغة ذاتها، وليس من قواعد
مفروضة عليها من الخارج”.
ومن مميزات هذه الأطروحة
انفتاحها على مصادر فكرية عميقة، لكنها مهملة أو غير معروفة في سياقات الدراسة
التقليدية، مثل أعمال علي زيغور، وأحمد الداوود، وعالم سبيط النيلي، وعلي فهمي
خشيم. ووفقًا للمؤلف، “يشكل هؤلاء المفكرون جبهة تفكر في اللغة من خارج
المنظومة الغربية السائدة، ويعيدون الاعتبار لمفهوم الحرف العربي كوحدة دلالية
متعددة الأبعاد تجمع بين الشعور والنطق والبعد النفسي”. وبذلك، تفتح هذه
الرؤية آفاقًا جديدة لفهم اللغة العربية على نحوٍ “يتجاوز مجرد كونها أداة
اتصال، لتصبح كيانًا ذا حضور وتأثير حيّ في تكوين الفكر”.
إلى جانب ذلك، يوجّه الخواجا
في أطروحته نقدًا ضمنيًّا للمنظور الأوروبي السائد في دراسة اللغة، الذي يربط بين
الكتابة وتعدد الشعوب ويرى في اختلاف الرموز دليلًا على اختلاف الأجناس والثقافات،
وهو منظور “قلّص من وحدة اللغة العربية وجعلها عرضة للانقسامات
والتجزئة”. في المقابل، يقدم المؤلف رؤية عربية-جغرافية توضح أن اللغة العربية
“نظام صوتي موحد يمتد عبر الزمان والمكان، لا يحتاج إلى فرض سلطوي أو قوة
خارجية لتثبيته أو تأكيد وحدته”.
ويتجاوز هذا الكتاب مجرد كونه
دراسة تحليلية للّغة والمنطق، ليغدو “تجربة فكرية عميقة تعيد للغة قدسيتها،
وللفكر أصالته، وتفتح مسارًا لتجديد البناء المعرفي العربي من الداخل، انطلاقًا من
مفاهيم ذاتية نابضة بالحياة تعكس عمق الحضارة والثقافة العربية في أبهى
صورة”.
/ العُمانية/ النشرة الثقافية/
شيخة الشحية