
عمّان في أول سبتمبر /العمُانية/ تركز
أعمال الفنانة التشكيلية العراقية راجحة القدسي على ما يتعلق بالأنثى وتجلياتها
المختلفة التي ترتبط بمكونات الطبيعة كطيور الحمام والأزهار والنوافذ والشرفات،
لتقدم رسالة تحمل في العمق منها معاني المحبة والسلام. وتتجلى هذه الرسالة في معرضها
“حوار مع حواء” المقام بجاليري الأورفلي في عمّان، حيث الاحتفاء بالماضي،
وإلقاء الضوء على الحاضر، في توليفة صاخبة من الألوان لكنها مدروسة بعناية.
وتحضر
الأنثى في لوحات المعرض الذي يستمر حتى منتصف سبتمبر الجاري، كرمز محوري يتشكل من
الاحتفاء بالمرأة جمالياً وكذلك موضوعياً، إذ تمثل دوماً معاني الخصب والعطاء
والأمل، وتصبح الأيقونات التي ترافق المرأة في هذه الأعمال رموزاً لها دلالات
عميقة في لغة الفنانة التشكيلية.
تنجز القدسي
أعمالها وفق تقنية تعتمد الطبقات المتعددة على الصعيد البصري؛ حيث تلتقي المرأة
بالحديقة، والحمامة بالسماء، والنوافذ الشرقية بزجاجها المعشّق بالذاكرة والرمز، وفي
إحدى لوحاتها نرى خمس نساء يقفن جنباً إلى جنب، وكل منهن تعبّر عن تفاصيل يومية
تحيط عالمها؛ صينية الشاي، وباقة الأزهار، والمروحة اليدوية.. وفي اجتماعهن معاً تبدو
اللوحة كما لو أنها كرنفال أنثوي يحتفي بالفرح، ويعزز ذلك اعتماد اللوحات على
الألوان الزاهية من الأخضر والأزرق والوردي، مع تكثيف حضور طيور الحمام البيضاء في
الخلفية.
وفي
لوحة أخرى منفردة تظهر امرأة تجلس بوقار، تحمل حمامة بيضاء فوق يدها، وهذه الحمامة
ليست مجرد عنصر زخرفي، بل تبدو وكأنها تكملة لهيئة المرأة، أي أن السلام أصبح
جزءاً عضوياً من كيانها، وشكّلت الرسومات مع خلفية اللوحة الرمادية مشهداً يقارب
الحلم، ويمنح المشاهد متعة الهدوء والتأمل.
وتستوحي الفنانة التشكيلية في عدد من أعمالها من فن العمارة، حيث تجمع بين الفن العربي والزخرفة الإسلامية،
ويتضح ذلك من شكل الأقواس والنوافذ، ومن اعتمادها على أسلوب معاصر لإبراز الزخرفة
النباتية، ما يعني أنها تتفاعل مع التراث ولا تنسخه كما هو، بل تظهر عوالم جديدة
يتلاقى فيها الماضي بالحاضر الذي يتطلع للمستقبل، ويتضح ذلك في لوحة لها تعبّر عن
مشهد معماري مزخرف، تظهر فيه أقواس النوافذ والألوان القوية التي تؤطر الأشكال
الهندسية من المثلثات والمربعات والمعينات.
ومن
اللافت أن كل لوحة تفيض بالعديد من الرموز ليس في الشكل وحسب، بل بالألوان أيضاً،
فالأزرق يحضر دومًا كرمز للسماء والعلو، والأخضر للخصب والنماء، والأبيض للسلام
والنقاء.. وهي رموزٌ واضحةٌ بعيدةٌ عن التعقيد، يمكن للمشاهد فهمها والتعاطي معها
بسهولة، ورؤية المرأة بطريقة مغايرة للمألوف؛ إذ تتمثل هنا كمركز للكون بمفرداته
الظاهرة للعين، وفي تجلياته الروحانية.. إنه شكل عميق من أشكال الخطاب البصري
المقاوم للفوضى والعنف اللذين يغلّفان واقعنا.
/العُمانية/
النشرة الثقافية
أصيلة
الحوسنية