مسرحية “فريجيدير”.. جدلية الذاكرة والنسيان

عمّان في 13 أكتوبر/العُمانية/
تطرح مسرحية “فريجيدير” جدليات على غرار الحضور والغياب، والوجود
والعدم، والذاكرة والنسيان، بأسلوب تجريبي يلقي الضوء على هواجس الإنسان المعاصر
والقضايا التي تؤرّقه.

اقتُبست أحداث المسرحية التي
أخرجها الحاكم مسعود عن نص “زمن اليباب” لهزاع البراري، وهي تدور ضمن
فضاء رمزي، حيث تُطرح على الدوام تساؤلات وجودية على غرار: “هل نحن أحياء
نؤجل موتنا في ثلاجة، أم موتى نرفض أن نُدفَن؟”، ممهدًا بذلك إلى سلسلة من
المشاهد واللوحات الأدائية التي تجسد صراع الإنسان مع نفسه ومع مرور الزمن.

وتدور حكاية المسرحية التي
قدمتها فرقة “أرتوحاك” على مسرح هاني صنوبر بالمركز الثقافي الملكي، حول
جثة صامتة تُحاكم ذاتها، كما لو أن ما يحدث محاكاة لمرآة مجمّدة تعكس صراعًا
داخليًا بين التذكّر الموجع والإنكار، أو بين النظام والفوضى، أو بين الصمت كقيد
والكلمة كخلاص.

ويجسد دورَ هذه الجثة رجل ذو
ذاكرة مهشمة تتراكم الجثث في داخلها، في إشارة رمزية إلى الأفكار المنسية والأحزان
المؤجلة والأحلام المجهضة، وقد عبّر الأداء المتقن للفنان غنام غنام عن الرمز
البصري الذي يكشف مدى الألم المكتوم عبر التحرك في فضاء نفسي مكثف يهجس بأسئلة
الحياة والموت.

وبموازاة ما اعتمده غنام من
أداء تعبيري ومن حركات تعكس التوتر النفسي والانعزال الداخلي للشخصية، قدم بقية
الممثلين أدوارًا محورية هم الآخرون، حيث جسدت دلال فياض شخصية الذاكرة المؤلمة
التي تظهر في مشاهد متقطعة تمثل ذكريات الماضي المؤجلة والمهملة، واستخدمت الفنانة
الإيماءات والتغييرات الحركية لتعكس التناقض بين الحنين والألم، بينما اضطلعت
الممثلة رزان الكردي بدور الصوت الداخلي للشخصية الرئيسية، وواصلت التنقل فوق
الخشبة لتُبرز التفكير الذاتي والتحليل النفسي.

وكذلك الحال بالنسبة للفنانة
فداء أبو حماد، التي قدمت دور القيود المجتمعية، حيث ظهرت كشخصية تنظم الفوضى
وتواجه انهيار الذات، وتناغمت حركاتها الهندسية مع التصميم السينمائي لخشبة
المسرح، أما الفنان حسام حازم فقدم دور العاطفة المكبوتة والصراع الداخلي للشخصية
المركزية، معتمدًا على حركات تُظهر التباين بين الركود والانفجار العاطفي، وقدم
محمد مغاريز دور صوت المجتمع، الذي ظهر بين الحين والآخر لتعزيز فكرة الاغتراب
والشعور بالفقد، فيما لعب الفنان حمزة سبيتان دور الضمير المكبوت مجسدًا الأبعاد
النفسية الخفية للشخصية الرئيسة، واتسم أداء الطفلة شهد رمزي بالمهارة في تقديم
دور يمثل البراءة المفقودة والذاكرة الطفولية.

ونهضت السينوغرافيا التي صممها
محمد المراشدة ورمزي بندورة بفكرة العمل؛ حيث تداخلت العناصر البصرية والسمعية
لتشكيل فضاء تعبيري يعكس مضمون العرض ورؤيته الفنية، إذ تم تصميم الفضاء المسرحي
ليعكس حالة الاغتراب والتمزق النفسي الذي يعيشه الأفراد، وعبّرت الألوان والإضاءة
والتشكيلات الهندسية عن الصراع الداخلي للشخصيات، لتبدو الخشبة مسرحًا للذاكرة والوجع
والإنكار.

/ العمانية/ النشرة الثقافية/
شيخة الشحية