ندوة “الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي” تناقش الفروقات الجوهرية بين المترجم والأدوات الرقمية

مسقط في 25 أغسطس /العُمانية/ ناقشت ندوة “الترجمة في عصر الذكاء
الاصطناعي” التي نظمتها وزارة الثقافة والرياضة والشباب اليوم بمسقط،
الانتشار المتزايد لأدوات الترجمة الآلية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومدى تكاملها
وتقاطعها مع دور المترجم، بما يسهم في تعزيز جودة الترجمة والحفاظ على أبعادها
الثقافية.

وتتناول الندوة التي تستمر 3 أيام بالمنتدى الأدبي عددًا من المحاور
المهمة، من بينها مقدمة في تقنيات الترجمة الذكية، والفروقات الجوهرية بين المترجم
والأدوات الرقمية، وآليات تقييم جودة الترجمة، إضافة إلى التحديات الأخلاقية
والمهنية التي تفرضها هذه التقنيات على مهنة الترجمة.

وتضمنت الندوة التي أدارتها منال بنت عمر الندابية، تقديم ورقتي عمل حيث
قدّم الدكتور أحمد بن حسن المعيني من جامعة التقنيّة والعلوم التطبيقية ورقة بحثية
بعنوان “نظرات في مستقبل الترجمة الأدبية باستخدام الذكاء الاصطناعي”، أوضح فيها، خلال ورقته، حضور الذكاء الاصطناعي
في الترجمة (الأدبيّة) بوصفه أمرًا حتميًا؛ وبحسب رأيه أنه من يطّلع على كمّ
الدراسات البحثيّة التي صدرت خلال العامَين الأخيرَين حول هذا الموضوع يُدرك مقدار
الجدّية التي يتعامل بها كثيرٌ من الباحثين شرقًا وغربًا مع هذه القضيّة، بدءًا من
المقارنات بين الترجمة التي يقوم بها المترجم وترجمة الذكاء الاصطناعي، وحتّى
تقنيّات تقليل أخطاء الذكاء الاصطناعي في ترجماته.

وأوضح أنه ينبغي
للمترجمين أن يتخلّوا قليلًا عن مواقفهم العدائيّة تجاه هذه التقانة، إذْ تمثّل
النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) تطوّرًا
ثوريًّا من شأنه أن يفيد صناعة الترجمة في نهاية المطاف، رغم مواطن الضعف الواضحة
فيما يتعلّق بالإحالات الثقافيّة واللغة المجازية والتحيّزات الفكرية، على سبيل
المثال. وبدلًا من استخدام هذه المناقص لرفض الترجمة الآليّة رفضًا أعمى، لعلّه من
الأجدى للمترجمين أن يبادروا إلى التفاعل مع هذه الأداة لفهم قدراتها وحدودها وسبل
الإفادة منها.

وأكد المعيني
أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الترجمة (الأدبيّة) يطرح تحدّياتٍ أخلاقيّةً
وتعليميّةً مشروعة، لكنّه يدعو في الوقت نفسه إلى مقاربةٍ براغماتيّةٍ تعتمد على
التكيّف، لا مقاومة التغيير، مشيرا إلى
أن بقاء المترجم سيتطلّب إتقان
مهاراتٍ جديدةٍ تُضاف إلى ما يطلب منه من مهارات، مثل التحرير اللاحق (post-editing)، وتلقين الآلة
(prompts)، ووضع خارطةٍ واضحةٍ للصعوبات الترجميّة
التي من المتوقّع ألا تستطيع الآلة حلّها في النصّ المراد ترجمته، بحيث يؤدّي
المترجم في هذه الحالة أدوارًا إضافيّةً لا تنحصر في دور المترجم، كالمحرّر،
والمراجع، ومدير المشروع.

كما سلط الضوء على الفرص والتحدّيات التي تطرحها أدوات الذكاء الاصطناعي في
مجالاتٍ أخرى محيطةٍ بالمترجم الأدبي، مثل اختيار النصوص الأجنبيّة، وتدريب
المترجمين.

فيما قدمت فاطمة بنت سالم العجمية من جامعة السلطان قابوس ورقة بعنوان
“الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي: بين الفهم الإنساني والحفاظ على الهوية
الثقافية”، وأشارت من خلالها إلى أنه في ظلّ التطور المُتسارع لتقنيات الذكاء
الاصطناعي، باتت الترجمة الآلية جُزءًا لا يتجزأ من عمليةِ نقل المعاني بين
اللغاتِ والثقافات المُختلفة. غير أنّ هذا التطور يطرحُ أسئلةً كثيرةً حول قدرةِ
هذه التقنيات على استيعابِ الأبعاد الإنسانية والثقافية للنصوص، لاسيما فيما
يتعلّقُ بـ “القصدِ والنية” اللذيْن يُمثّلان جوهر الترجمة وأساسها.

وقالت: إن حدود الذكاء الاصطناعي في فهم النوايا التي تحملها النصوص بمختلف
مجالاتها، ومدى قدرة هذه التقنيات على تقديمِ ترجمةٍ تعكِسُ الفهم الحقيقي
والتعبير الثقافي العميق. مستعرضة ظاهرة “التنميط اللغوي” في ترجمات
الذكاء الاصطناعي؛ إذ تتجه هذه التقنيات عادةً نحو إنتاج ترجمات بأساليب وصيغ
مُتكرّرة، وهو ما قد يؤثر على الخصوصية الثقافية للنصوص بمختلف أنواعها: الأدبية،
والقانونية، والإعلامية وغيرها.

وركزت العجمية في ورقتها على الدور المُتجدّد للمُترجم ، الذي يتجاوز كونه
ناقلًا للنص فقط، ليُصبِح مُشكّلًا لتجربةٍ لغويةٍ وثقافية، يُعيد ضبط النص
المُترجَم ليُحافظ على إيقاعه وروحه ومعناه، ويستعيد ما قد تُفقدِه الترجمة الآلية
من دلالاتٍ تعبيريةٍ إنسانية وثقافية.

وأكدت أن الترجمة في المستقبل لا يُمكن أن تُبنى على الذكاء الاصطناعي
وحده، بل لابدّ من وجود نهج مُتكامل وشامل يجمعُ بين كفاءةِ هذه التقنيات وحساسية
المترجم ، المُتمثلة في إدراكه الثقافي ووعيه بالسياقات المختلفة وذوقه اللغوي
والأسلوبي، ليبقى حارسًا للمعنى، وصوتًا واعيًا بالتنوع الثقافي ومظاهره المختلفة،
ليضمن بذلك أن يظلَّ النصُّ حيًّا بثقافته، وسط كل هذه التحديات التي يفرضها
الذكاء الاصطناعي وما يترتب عليه من هيمنة للنمطية اللغوية التي تُفقد النص
حيويّته وتفرُّده.

تستهدف الندوة المترجمين، والمهتمين بقضايا الترجمة والذكاء الاصطناعي،
والباحثين والمثقفين من مختلف الفئات. كما تسعى إلى إثراء النقاش المهني
والأكاديمي في بيئة تفاعلية تجمع أصحاب الاختصاص والمهتمين بالشأن اللغوي والتقني،
وتفتح آفاقًا جديدة للحوار حول مستقبل الترجمة في ظل الذكاء الاصطناعي، وما يرافقه
من تحولات لغوية وثقافية وأخلاقية ومهنية.

وسوف تعقب الندوة خلال اليومين القادمين تدريبات عملية يقدمها الدكتور علاء
الدين الزهران، المتخصص في دراسات الترجمة الفورية حيث سيتمكن المشاركون من فهم
أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الترجمة، وتعزيز كفاءتهم في استخدام
أدوات الترجمة بمساعدة الحاسوب (CAT Tools)،
إلى جانب تطوير مهاراتهم في مجال تحرير الترجمة الآلية
(Post-editing)، بما يواكب متطلبات سوق الترجمة المتغير.
كما تتيح الندوة للمشاركين فرصًا للتطبيق العملي، والنقاش المفتوح، والتفكير
النقدي حول حدود الذكاء الاصطناعي، خاصةً في النصوص ذات الطابع الإبداعي أو
الإعلاني.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الندوة تأتي امتدادًا للنجاح الذي حققته النسخة
الأولى التي نُظّمت في مايو 2024م بعنوان “ممارسات عملية في الترجمة”،
وقدّمها الدكتور محمد الشعراوي، حيث لاقت تفاعلًا ملحوظًا من المشاركين. وتُعقد
الندوة هذا العام للمرة الثانية استجابةً للإقبال الواسع والتفاعل الإيجابي في
نسختها الأولى، وسعيًا إلى تعزيز الجسور المعرفية بين الثقافة والتكنولوجيا،
وتأهيل الكفاءات الوطنية لمواجهة تحديات المستقبل في مجال الترجمة.

/العُمانية/

عبدالله الشريقي / خميس