“أدبُ النسيان” للويس هايد: تأملات فلسفيّة في الذاكرة والنسيان

الكويت في 6 مارس /العُمانية/ في كتابه “أدب النسيان”، الصادر بالترجمة العربية عن منشورات وسم، يستكشف الكاتب الأمريكي لويس هايد العلاقة الجدلية بين الذاكرة والنسيان، ودورهما في صياغة الوعي البشري. ويتجاوز هايد النظرة التقليدية للنسيان كمجرد غياب أو فقدان، ليراه عملية حيوية تتشابك مع الذاكرة في نسيج الوجود الإنساني، حيث يصبح الإنسان كائنًا متشظيًا عبر الزمن، يبحث عن معنى حياته بين ما يتذكره وما يترك خلفه.ويطرح هايد رؤية مدهشة حول النسيان، معتبرًا إياه ليس مجرد تلاشي المعلومات، بل جوهرًا مزدوجًا يحمل في طياته المغفرة والانتقام معًا. فالنسيان، كما يراه، هو الجسر الذي يتيح للإنسان التجاوز دون محو تام، إذ يبقى الماضي حاضرًا بأشكال خفية تتسلل إلى الخيال والإبداع. في هذا السياق، يصبح الزمن مفهومًا يتشكّل فقط عبر تفاعل الذاكرة والنسيان، كأداتين لفهم الماضي واستشراف المستقبل.ويغوص الكتاب في أعماق الأساطير الإنسانية ليكشف عن تجليات النسيان والذاكرة. ويستعرض هايد أسطورة صينية عن العجوز “منغ” التي تقدم “حساء النسيان” للأرواح قبل تجسيدها من جديد، لتنسى ماضيها وتبدأ من الصفر. لكن الاستثناءات تبرز مثل شواهد على قوة الذاكرة، حيث يولد بعض الأطفال حاملين بصمات حياة سابقة. وفي الأساطير اليونانية، يتحدث عن “بركة النسيان” التي تمنح الإنسان رؤية المستقبل بشرط التخلي عن ماضيه، في دلالة رمزية على أن كل تذكر هو نسيان، وكل نسيان هو بداية تذكر جديد.ويتجاوز هايد التأمل الفردي إلى الساحة الجماعية، حيث يستعرض دور النسيان في السياقات التاريخية والسياسية، يروي قصة جندي أمريكي من أصول إفريقية، عجز عن نسيان مقتل أخيه على يد جماعة عنصرية، فاختار إحياء الذاكرة الجماعية كسبيل للعدالة بدلًا من الانتقام. وفي مثال آخر، يتناول مجزرة ضد الهنود الحمر في القرن التاسع عشر، التي حاولت السلطات طمسها لعقود، قبل أن تعود الذاكرة لتفرض نفسها عبر نصب تذكاري يعيد سرد الحكاية.في سياق الإبداع، يبرز النسيان كعنصر أساسي في العملية الإبداعية. فيشير هايد إلى أدباء مثل مارسيل بروست، الذي استلهم “الذاكرة غير الإرادية” في “البحث عن الزمن المفقود” ليستعيد الذكريات بطريقة انتقائية. ويؤكد على أن الخسارات، وليس الانتصارات، هي التي تترسّخ في الوعي، تاركة فصولًا مفتوحة تستمر في التردد بين النسيان والتذكر.وفي خاتمته، يربط هايد النسيان بدورة الحياة الطبيعية، مقارنًا إيّاه بأسراب الطيور المهاجرة التي تعبر السماء دون أثر، لكنها تجد طريقها دائمًا. ويدعو القارئ إلى رؤية النسيان ليس خسارة، بل عملية ديناميكية تعيد تشكيل الذاكرة، وتحدد علاقتنا بالماضي والمستقبل في نسيج واحد متكامل./العُمانية /طلال المعمري