وادي فينان جنوب الأردن.. متحف طبيعي مفتوح

عمّان في 5 أغسطس/العُمانية/ يعد وادي فينان جنوب
الأردن متحفاً طبيعياًّ مفتوحاً، وهو يضم بين جنباته إرثاً تاريخياًّ ممتداًّ، وفيه
تتعانق الطبيعة البكْر مع أقدم الصناعات التي عرفها الإنسان، وبين جنبات الصحراء
المترامية يمكن للزائر أن يعيش تجربة فريدة تعيد رتق علاقته مع الطبيعة بمكوناتها
من جبال ورمال وسماء ونجوم.

ويقع الوادي ضمن حدود محمية ضانا الطبيعية، وهو جزء من
امتدادها الحيوي ومكوناتها النباتية، حيث يصل الوادي بين جبال الشراة الشاهقة
وصحراء وادي عربة مشكّلاً بذلك نقطة التقاء فريدة بين بيئتين مختلفتين.

وحولت هذ الميزة الوادي من مجرد موقع طبيعي إلى واحد من
أهم المراكز التاريخية التي تعود إلى آلاف السنين، فقد شكل الوادي في العصر
الحجري مركزاً لاستخراج النحاس، وما تزال بقايا المناجم القديمة ماثلة فيه حتى
اليوم، وتؤكد الآثار الموجودة أن سكان المنطقة مارسوا عمليات التعدين والصهر منذ
العصر البرونزي.

كما ارتبط الوادي بحضارات عديدة، مثل الأدوميين،
والأنباط، والرومان، فقد تعاقبت هذه الشعوب وسواها على أرضه، وكان أبناؤها يستغلون
ثروات الوادي المعدنية ويقيمون فيه مراكز سكنية وتجارية، وقد عُثر فيه على مجموعة
من اللقى مثل الأدوات الحجرية التي استخدمها الناس في حياتهم اليومية آنذاك،
وأفران صهر المعادن، بالإضافة إلى بقايا بيوت طينية شُيدت كحاضنة لمجمع قرى، وبذلك
يعدّ الوادي شاهداً على بدايات الثورة الصناعية البشرية وانتقال الإنسان إلى عهد
جديد من تطوير أساليب حياته وأدواته.

ويتشكل وادي فينان من سلسلة جبال شديدة الانحدار تتدرج
ألوانها من الأحمر إلى البني والأصفر، وتتدفق عبره أودية مائية موسمية
تتشكل بسبب تجمع أمطار الشتاء فيه، وتنتشر على أطرافه واحات من أشجار النخيل
والأكاسيا والطرفاء التي تمنحه اللون الأخضر المميز وسط الصحراء، وفي الليالي
الصافية تتزين السماء فوقه بالنجوم، إذ يعد الوادي من أجمل المناطق للتأمل في
النجوم والأجرام السماوية اللامعة.

ويوفر الوادي تجربة سياحية فريدة للزائرين، حيث يمكنهم
ممارسة رياضة المشي عبر مسافات طويلة، ومشاهدة أصناف من الحيوانات البرية كالغزلان
والطيور المهاجرة في المسارات المتعرجة على طوله، كما يمكن زيارة المواقع
التاريخية والأثرية من بقايا المناجم والمستوطنات البشرية القديمة، والتأمل في
النقوش والرسومات التي حُفرت على الصخور لتوثق جانباً من حياة المنطقة عبر القرون.

كما يحتوي الوادي على نُزل بيئي يُعدّ من أبرز الوجهات
العالمية للسياحة المستدامة، واستُلهم تصميمه من القصور الصحراوية القديمة، ويتم
توليد الطاقة الكهربائية فيه من خلال ألواح الطاقة الشمسية، وتتم تدفئة المكان عبر
مواقد حطب تعمل على الفحم الناتج من بقايا عصر الزيتون (الجفت)، كما تُستخدم الينابيع
لتغذية النزل باحتياجاته من الماء.

ونظراً لما يمثله الوادي من قيمة فيما يسمى “السياحة المسؤولة”، فقد فاز النزل بجائزة (Golden Award عام 2019 لما حقّقه من خفض انبعاث الكربون في الجو.

/العُمانية/ شيخة الشحية