
مسقط في 5 أغسطس
/العُمانية/ في رحلة الحياة، تلتصق الكثير من الوجوه الثقافية المؤثّرة في
الذاكرة، وقد فتح الشاعر والكاتب عبدالرزّاق الربيعي ذاكرته، فتزاحمت الوجوه في
مراياه، مستدعيًا تفاصيل جمعته بتلك الوجوه، فكان كتاب “وجوه في مرايا
الذاكرة” الصادر عن الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء ضمن منشورات دار مسندم،
في أكثر من 300 صفحة من القطع المتوسط.
يجد القارئ في
هذا الكتاب حضورًا واسعًا للذاكرة، بكل حمولاتها المعرفيّة والجمالية والثقافيّة،
ولكي يوضّح أبعاد تلك الحمولات يضع عبارة للكاتبة لطفية الدليمي تقول:
“الذاكرة جذر، والمخيّلة جناح، ذاكرة البشرية، وإنجازاتها الملهمة على مرّ
العصور جذر، ودليل إلى المستقبل، والأجنحة حريّة مخيلتنا الإنسانية، وما تبتكره من
إبداع وعلوم وكشوف في فضاء بلا حدود”.
وفي هذا الكتاب،
قام الربيعي برسم “بورتريهات” لشخصيات ثقافية التقى بها وحاورها، وعقد
مع بعضها صداقات عميقة، من بين تلك الشخصيات عبدالوهّاب البيّاتي، ود. عبدالعزيز
المقالح، ومحمود درويش، وسليمان العيسى، وعبدالله البردوني، وفدوى طوقان،
وعبدالرزّاق عبدالواحد، ولميعة عبّاس عمارة، وهلال العامري، وجبرا إبراهيم جبرا،
ود. حاتم الصكر، وكريم العراقي، وحميد سعيد، وجورج طرابيشي، وواسيني الأعرج، ود.
عبدالرضا علي، ود. سعيد الزبيدي، وعبده خال، وعدد آخر من الشخصيات الثقافية.
وقد جاء ذلك من
خلال سرد مواقف جمعته بأشخاص أثّروا في تجربته الشعريّة. لذا، فللذاكرة “نصيب
واسع من هذا الكتاب”، كما جاء في كلمة الناشر على الغلاف الأخير، حيث ضمّ
ذكريات مع شخصيات ثقافيّة معروفة، بعضها تتلمذ على يديها وجالسها، “وبقيتْ
كلماتها ماثلة في ذاكرته، فدوّنها على شكل مقالات، وفق أساليب مختلفة تنوّعت بين
السرد، والحوار، والتوثيق، والتداعي الحر، والشعر، والرسائل، وقد جاءت انعكاساتها
عبر مراياها الصافية، وذلك قبل أن يتراكم عليها غبار الأيّام، وتتكدّس الأوراق على
الأوراق، والملفّات على الملفّات، والذكريات على الذكريات”.
وقد كتب عنها
مراعيًا عنصر التشويق في سرد تلك الذكريات التي جاءت على شكل مقالات منفصلة في
كتاب يتألّف من ثلاثة فصول، حمل الأول عنوان “وجوه في مرايا سومر”، وضمّ
وجوهًا عراقيّة التقى بها الربيعي باستثناء الشاعر بدر شاكر السيّاب الذي رحل عام
1964م، لكنّه ترك أثرًا كبيرًا على خارطة الشعر العربي وروح ونص الربيعي، وحول
تجربته ومرجعيّاته، حاور ولده غيلان السيّاب، محاولًا الاقتراب من عالم السيّاب.
والفصل الثاني عنوانه “وجوه في مرايا بلا ضفاف”، وضمّ شخصيات عربية،
باستثناء الألماني غونتر غراس، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1999م، الذي
التقى به في اليمن وجمعته به جلسات علقت تفاصيلها في ذاكرته. أما الفصل الثالث
فعنوانه “وجوه في مرايا البحر”، وضمّ شخصيات عُمانية وخليجية التقى بها
أكثر من مرّة في مناسبات ثقافية، وجمعته بها علاقة إنسانيّة، وتركت أثرًا في
تجربته وروحه، كما يذكر في مقدّمة كتابه التي عنوانها “في الطريق إلى خزين
الذاكرة”.
وحول سبب هذا
التقسيم، يقول الربيعي إنه أراد أن يأخذ بيد القارئ ليشاركه تأمّل هذه الوجوه
وسهولة قراءتها وعائدِيّتها للمكان الذي تعرّف فيها عليها، دون دلالة أخرى،
مؤكّدًا على أنه ركّز في هذا الكتاب على الأجيال السابقة، التي “أسّستْ للنص
الحديث، في الشعر والسرد، وتركت أثرًا في النقد والمعرفة الإنسانية”
وقد اختار لكلّ
مقال عنوانًا لافتًا، ففي البورتريه الذي رسمه للدكتور علي جواد الطاهر، يضع
العنوان “روح وثّابة ودروس في التواضع”، ولـ محمود درويش: “الشاعر
حالما بالزنابق البيضاء”، ولـ جبرا إبراهيم جبرا: “محنة المثقف في (عالم
بلا خرائط)”، ولـ د. حاتم الصكر: “صورة الناقد ..شاعرا”، ولـ د.
علي جعفر العلاق: “الشاعر مثقلا بالحنين والشجن”، ولـ سامي مهدي:
“فجيعة الأحلام الضائعة”، ولـ د. عبدالرضا علي: “رصانة أكاديمية
وقلب مفتوح للجميع”، ولـ عيسى حسن الياسري: “شاعر القرى والنايات”،
ولـ فوزي كريم: “شاعر ظلّ وعزلة شعرية”، ولـ طلال حيدر: “الشاعر
الذي حاور حجارة (بعلبك)”، ولإبراهيم الكوني: “البحث في الصحراء عن
الفردوس المفقود”، ولآدم فتحي: “نافخ الزجاج الفصيح”، ولإسماعيل
فهد إسماعيل: “(التداعي الحر) في الكتابة والحياة”، ولـ د. علوي
الهاشمي: “قنديل (دلمون) المضيء”، ولـ د. عبد الله الغذّامي:
“مشاغبة المشاغِب”، ولـ عبده خال: “الناطق بلسان المهمّشين”
ويشير الربيعي
إلى أنه أرجأ ما كتبه عن جيله وزملائه في رحلة الكتابة إلى كتاب قادم، وبذلك يفتح
قوسًا لكتاب آخر، وربما كتب أخرى، فذاكرته تختزن الكثير من التفاصيل، وهي حصاد
رحلة طويلة قضاها مع الصحافة الثقافية والكتابة الشعرية والمسرحية والمشاركات في
الندوات والمؤتمرات والمهرجانات المحلية والدولية، وكان خلالها يحرص على تدوين تلك
التفاصيل وتوثيقها قبل أن تهرم الذاكرة وتشيخ مراياها.
/العُمانية/
خميس الصلتي