اقتصادي / صرام التمور في الأحساء قيمة اقتصادية واحتفالية ثقافية.. والذكاء الاصطناعي يدخل في جودته

الأحساء 26 ربيع الأول 1447 هـ الموافق 18 سبتمبر 2025 م واس
يُعد موسم “صرام التمور” في محافظة الأحساء، مناسبة احتفالية اقتصادية وثقافية سنوية خاصة، لتتويج جهد عام كامل مع النخلة والعناية والاهتمام بها، وهو مصدر دخل مُهم للمزارعين المحليين، وفرص عمل جيّدة لعدد من السكان.
ويُعرف الصرام بقطع عذوق النخل والقصد منها جني ثمارها تمرًا بعد أن تجف تتحول من الخلال إلى البسر ثم إلى الرطب ثم إلى مرحلة التمر، وفي هذه المرحلة يصرم التمر، إذ إن الصرام موسم مُهم لأهل النخيل في الأحساء، حيث تجتمع فيه العائلات ومعهم الجيران يتعاونون في فرز التمور وتنقيتها وتعبئتها، والتأكيد على عدم العجلة في الصرام خاصة أن التوقيت مهم.
وأوضح شيخ تجار تمور الأحساء عبدالحميد الحليبي أن موسم صرام تمور النخل في الأحساء يبدأ عادة من نهاية شهر أغسطس بصرام أصناف تمور الغر والحاتمي والشيشي، وفي شهر سبتمبر يبدأ صرام أنواع الخلاص والرزيز وهي من أصناف التمور الأهم في المحافظة، وينتهي موسم الصرام بانتهاء شهر أكتوبر بصرام أصناف الهلالي والخصاب والزاملي، لافتًا إلى أن عملية الصرام تكون في البداية للنخيل الطويلة ومن ثم المتوسطة وفي الأخير القصيرة لتسهيل المهمة.
وبيّن الحليبي أن صرام النخلة الواحدة يتطلب وجود عدد خمسة عمال على الأقل، الأول وهو “الصرّام” الذي يصعد النخلة ليقطع الثمار، و”السفّار” وهو الذي يفرش الفرش على الأرض لتسقط عليها التمور والعذوق، و”المنقّي” وهو مَن يلتقط الساقط من التمر ويجمعه، و”الرفّاع” وهو مَن ينقل التمر عن طريق المرحلة أو القلة من تحت النخلة إلى مستودع جمع التمور، ويسمى “الرفّاع” لأنه يرفع عليه القلة وينقلها إلى مكان الجمع، مشيرًا إلى أن عملية الصرام يجب أن تبدأ مع ظهور نور الصباح، وليس بعد الفجر مباشرة، مؤكدا أهمية العناية بالصرام بالطريقة الصحيحة لرفع مستوى الجودة وتقليل الفاقد، مع ضرورة الاستمرار في إحياء هذا الموروث الثقافي الشعبي والمحافظة عليه، لأنه يُعد جزءًا مهمًا من هوية الأحساء الاجتماعية والثقافية، داعيًا إلى المحافظة على إرث “الصرام العائلي” وتدريب الشباب خصوصًا طلاب المرحلة الثانوية والجامعة على العمل في موسم الصرام، بما يعكس تاريخ الواحة وتراثها ويحافظ على استدامتها الزراعية.
من جهته أكّد رئيس لجنة التنمية الزراعية بغرفة الأحساء المهندس صادق بن ياسين الرمضان، أهمية مرحلة صرام التمور، كونها واحدة من المراحل الحيوية التي تتطلب عمالة مدربة؛ لضمان الحفاظ على جودة التمور، ونجاح عمليات التسويق، ومن ثم يتعين اختيار الطرق المناسبة لحصاد الثمار بناءً على حجم المزرعة وموقعها، مُحذرًا من تأخير الحصاد لتجنب الأمراض والآفات، مؤكدًا أن الاستعداد الجيّد لموسم الصرام الناجح يتطلب ممارسة الطرق السليمة كافة.
ولفت الرمضان إلى أهمية التحضيرات التي تسبق موسم صرام التمور، وتشمل: تقليم الأشجار، وإزالة الأعشاب الضارة، ومكافحة الآفات، إضافة إلى تحضير الأوعية الكرتونية والبلاستيكية المطابقة لمعايير صحة البيئة والعمالة اللازمة لجني التمور، مبيّنًا أن الموسم أصبح يشكّل منصة اقتصادية وتسويقية رائدة تُعزز مكانة الأحساء واحة عالمية للتمور، وهو ما يُسهم في دعم المزارعين ويفتح أسواق جديدة، بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030.
وبيّن أن هذا الموسم يُمثل أحد أهم المراحل الداعمة لقطاع التمور، حيث إن المزارعين قديمًا كانوا يتعاونون فيما بينهم في موسم الصرام لنخيلهم فيحددون أوقاتًا للعمل الجماعي بروح الفريق الواحد، إلا أن عدد العمال الوطنيين الممارسين لهذا العمل تقلص كثيرًا في السنوات الأخيرة، مؤكدًا أن عمل المزارع السعودي بيده يرفع من جودة الصرام، ويقلل الفاقد، ويحافظ على التمور بما يرفع من قيمتها الاقتصادية.
وأشار الرمضان إلى أن تحدي فاقد التمور في مرحلة الصرام الذي قد يصل إلى 25 في المئة من المحصول، لأسباب عدة، منها: طريقة ووقت الحصاد، والعمليات الزراعية في المزرعة، والآفات والأمراض، وطريقة الفرز والتعبئة، والأدوات المستخدمة للتعبئة في المزرعة، يتطلب تضافر جهود جميع المعنيين والمختصين لعلاج هذا التحدي، خاصة في موسم الصرام، بما يساعد المزارعين على تقليل الفاقد، ودعم جودة التمور وتعزيز قدرات القطاع التنافسية.
وأكد أن قطاع التمور يشهد تطورات كبيرة بعد رؤية المملكة 2030 حيث تضاعفت مساهمته الاقتصادية في الناتج المحلي للقطاع الزراعي، مسجلًا معدلات نمو سنوية مطردة لصادرات التمور خلال السنوات الأخيرة، مؤكدًا أهمية زيادة الأيدي العاملة المدربة، وتطوير أداء ومخرجات الجمعيات التعاونية الزراعية، ودعم وتشجيع الابتكار في الصناعات المشتقة من التمور.
وفي ذات السياق أوضح مدير مركز التميز البحثي في النخيل والتمور الأستاذ المشارك بكلية العلوم الزراعية والأغذية في جامعة الملك فيصل الدكتور ناشي بن خالد القحطاني أن موسم صرام تمور الأحساء يُعد من أهم المواسم الأساسية التي تُسهم في إبراز العناية بهذا المنتج الرئيس، وكذلك الأبعاد التسويقية والثقافية المرتبطة بإنتاجه في الأحساء التي تُعد إحدى أهم وأكبر المحافظات المنتجة للتمور على المستويين المحلي والإقليمي.
وبيّن أن موسم صرام التمور في الأحساء يبدأ في شهر أغسطس، ويستمر أحيانًا حسب الأحوال البيئية إلى شهر أكتوبر، ويشمل موسم الصرام ثلاثة مراحل، الأولى تسمى مرحلة الصرام الموحد، حيث تجنى أصناف الحاتمي والشيشي والغر، والثانية يصرم الخلاص والرزيز، والثالثة صرام الهلالي والخصاب والزاملي، ويعمل المزارعون بجني التمور في الصباح الباكر، حيث تكون درجة الحرارة منخفضة.
وأشار إلى اهتمام مركز التميز البحثي في النخيل والتمور بجامعة الملك فيصل بموسم صرام التمور في الأحساء، مؤكدًا أهمية استدامة إسهاماته وشراكاته، بحيث يتيح للمزارعين والمنتجين التعرّف إلى أحدث ما وصلت اليه التطورات العلمية في مجال النخيل والتمور، بما يُسهم في إثراء الجوانب الاقتصادية للتمور وتسويقها وتعزيز النهضة الزراعية واستدامتها في المملكة.
وأفاد أنه في إطار إسهام المركز في رفع كفاءة صرام وتسويق التمور، قام بصناعة وتطوير آلة فرز للتمور تعمل بالذكاء الاصطناعي والطاقة الشمسية لفرز التمور حسب الحجم واللون والرطوبة، ويمكن استخدامها في المزارع الصغيرة والكبيرة، وكذلك وضع برنامج مستدام لمكافحة آفات النخيل وصديق للبيئة (مواد طاردة، ومواد طبيعية لسوسة النخيل الحمراء).
كما قام المركز بصناعة وتطوير جهاز ري تحت السطحي يعمل بالذكاء الاصطناعي والطاقة الشمسية لرفع كفاءة استخدام الموارد المائية وتحسين جودة التمور، وكذلك صناعة آليات تعمل بالطاقة الشمسية لرفع كفاءة التلقيح وعقد ثمار النخيل وتقليل كميات حبوب اللقاح المستخدم وخفض تكلفة العمالة، إضافة إلى صناعة آليات تعمل بالطاقة الشمسية لرفع كفاءة تكريب ونظافة النخيل استعدادًا للصرام ومكافحة الآفات.
وأضاف الدكتور القحطاني، أن المركز قام بإنتاج الفحم الحيوي من مخلفات النخيل لتحسين وزيادة خصوبة التربة وبالتالي جودة الإنتاج، وكذلك ابتكار منتجات غذائية وتحويلية من معظم مراحل نضج التمور، إضافة إلى إنتاج الإيثانول الحيوي من التمور ومخلفات نخيل التمر، فضلًا عن صناعة جهاز يعمل بالخصائص الكهربائية لقياس أكثر من 18 خصائص طبيعية للتمور تصل مستقبلًا إلى 24 في زمن وجيز جدًا وكمية بسيطة.
// انتهى //
20:00 ت مـ
0214