عمّان في 6 أكتوبر/ العُمانية/ يُعد
موقع عين غزال الأثري من أقدم المواقع الحضرية البشرية في العالم، وشاهد على كيفية
تطور الحضارة في المنطقة، حيث يقدم من خلال الآثار التي اكتُشفت فيه أدلّة مهمة
توضح بداية تشكيل الإنسان مجتمعاتٍ مستقرةً ومزدهرة على أكثر من صعيد.
ويقع “عين غزال” في الشمال الشرقي من قلب العاصمة الأردنية
عمّان، ويعود تاريخ الاستيطان البشري فيه إلى حوالي عشرة آلاف عام؛ أي في العصر
الحجري الحديث بعد اكتشاف الفخار ودخوله إلى صناعات الإنسان الحياتية اليومية.
وتم اكتشاف الموقع في عام 1974 أثناء بناء طريق يربط بين مدينتي عمّان
والزرقاء بالأردن، أما الحفريات التنقيبية فبدأت عام 1982، وتم خلالها العثور على
بقايا مستوطنة زراعية ورعوية، ويعتقد الباحثون بأن الموقع كان مأهولًا بالسكان لمدة
تقارب 2500 سنة، مما يؤكد على أنه من أقدم المستوطنات التي عرفها البشر.
ومثّل اكتشاف تماثيل عين غزال الحدثَ الأبرز في أعمال التنقيب، حيث عُثر
على اثنين وثلاثين تمثالاً كبيراً صُنعت جميعها من خليط الجص والقش، نصفُها
تقريباً مكتملة المعالم، بينما فقد النصف الآخر بعض أجزائه، ووُجدت تلك التماثيل
مدفونة في حفرتين تحت الأرض داخل بيوت مهجورة، وتعود إلى الفترة ما بين 7200 و6250
ق.م.
وتشير الدقة في التشكيل والتناسق بين أطراف التمثال والعيون المصنوعة
من مادة داكنة، إلى المهارة الفنية العالية التي امتلكها سكان المنطقة في تلك
الحقبة البعيدة، ويرجّح الدارسون أن هذه التماثيل صُنعت بهدف استخدامها لأغراض
دينية أو اجتماعية، وتؤكد أيضاً على معرفة الانسان آنذاك بالفن الرمزي، حيث تُظهر
التماثيل النصفية أشخاصاً في حالات من التأمل أو الحركات المدروسة، وبملامح مصنوعة
بوعي جمالي وفني مبكر.
ويعدّ موقع عين غزال أحد منطلقات فهم تطور الحضارة البشرية
وتمكُّن الإنسان من صناعة مجتمعات يمكن القول إنها كانت على قدر كبير من التطور
الاجتماعي والاقتصادي، حيث كشفت الحفريات عن بقايا منازل مبنية من الطوب، وأدوات
حجرية استُخدمت لأغراض متعددة في الحياة اليومية مثل الصيد وتحضير الطعام
والتنظيف، وأوانٍ فخارية أولية استُخدمت لتخزين الحبوب أو المياه، إلى جانب
مكتشفات أكدت على أن الإنسان في تلك الحقبة عرف الزراعة وتدجين الحيوانات، وتمكّن من
أن يتحول من نمط الصيد الرعوي إلى نمط الاستقرار الزراعي.
جدير بالذكر أن الآثار المتبقية في الموقع تؤكد على وجود مخازن لجمع الحبوب
وتخزينها، مما يشير إلى فهم متقدم لإدارة الموارد بالإضافة إلى العلاقة الواعية
بين الإنسان والطبيعة والسعي المدروس لتنمية المجتمع وحمايته خاصة عند حدوث كوارث
طبيعية غير متوقعة.
/العُمانية/ النشرة الثقافية/
أصيلة الحوسنية