
أصفهان في 20 أكتوبر /العُمانية/ يُعد فن المنمنمات أحد أبرز ملامح الفنون
التشكيلية الشرقية التي عبّرت عن العمق الثقافي والحضاري للعالم الإسلامي، جامعًا
بين الدقة الفنية، والجمال الرمزي، والخيال الشعري، حيث تشكّل هذه اللوحات
المصغّرة جسرًا بصريًّا يربط بين الأدب والفن، وبين الصورة والكلمة.
ومن أروقة الأدب الكلاسيكي العربي والفارسي، نشأ هذا الفن، ليزيّن
المخطوطات الكبرى ويخلّد الملاحم والقصائد في أعمال بصرية نابضة بالحياة. وفي حديث
لوكالة الأنباء العُمانية، أوضح الفنان الإيراني المتخصص في المنمنمات محمد قاسميان
أن هذا الفن لا يكتفي بتصوير الواقع، بل يقدّم رؤية فلسفية وروحية، تمزج بين
الأزمنة والأمكنة، وتُحيل التفاصيل الدقيقة إلى معانٍ عميقة تتجاوز الظاهر.
وأشار قاسميان إلى أن الألوان في المنمنمات ليست للزينة فقط، بل تُستخدم
كرموز للنور والجمال الكوني، فيما تضفي الزخارف النباتية والهندسية والخط العربي
طابعًا قدسيًّا على العمل الفني. وأضاف أن هذا الفن مثّل على مر العصور وثيقة
حضارية تنبض بروح الشرق وجمالياته، وأسهم في الحفاظ على الذاكرة الثقافية من خلال
المخطوطات المزخرفة والمعمار والفنون التطبيقية.
واعترفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بأهمية
هذا الفن، فأدرجته عام 2020 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، تأكيدًا
على قيمته الرمزية وكونه وسيلة لتعزيز الحوار الثقافي بين الشعوب.
وبيّن قاسميان أن تأثير المنمنمات تجاوز حدود إيران، ليصل إلى الهند وتركيا
وآسيا الوسطى، حيث نشأت مدارس فنية استلهمت الأسلوب الإيراني، من أبرزها المدرسة
المغولية في الهند التي مزجت بين الدقة الإيرانية والهوية المحلية الهندية.
وفي استعراضه لتطور المدارس الفنية، أشار إلى المدرسة التبريزية التي ظهرت
في العهد الإيلخاني، وتميزت بالألوان القوية والمناظر الشرقية، والمدرسة الهَرَوية
التي ركّزت على الحيوية والواقعية الرمزية. أما المدرسة الصفوية، فقد بلغ فيها
الفن ذروة نضجه، حيث تحوّل من تزيين المخطوطات إلى أعمال مستقلة امتازت بهدوء
الألوان وتفاصيل العمارة والزخرفة.
وأوضح أن القرن التاسع عشر شهد بروز المدرسة القاجارية التي تأثرت بالفن
الأوروبي، فجاءت وجوه الشخصيات أكثر واقعية، لكن دون التفريط بالروح الزخرفية
التقليدية.
ويؤكد قاسميان أن فن المنمنمات يشهد في السنوات الأخيرة نهضة لافتة، بفضل
جهود مراكز الفن التقليدي في طهران وتبريز وأصفهان، إذ يعمل فنانون شباب على إعادة
إحياء هذا التراث بروح معاصرة، تجمع بين الأصالة والتجديد. كما ساهمت الرقمنة في
حفظ المخطوطات القديمة وإتاحتها للباحثين حول العالم، مما يعزز من استمرارية هذا
الفن العريق.
/العُمانية/النشرة الثقافية/
أمل السعدية