فضاءاتٌ دافئةٌ من المشرق إلى الأندلس.. معرضٌ يستعيد ذاكرة الماء والروح

عمّان في 10 نوفمبر /العُمانية/ ليس المعرض المقام في المتحف الوطني
الأردني للفنون الجميلة مجرّد تأريخ لفضاءٍ معماري، بل هو استدعاء لذاكرةٍ مائية
دافئة اسمها “الحمّام”، ذاك المكان الذي جمع بين طهارة الجسد، وصفاء
الروح، ودفء الاجتماع.

تحت عنوان: “الحمّام في منطقة البحر الأبيض المتوسط: من المشرق إلى
الأندلس”، يُعرض أكثر من مائة عمل فني تتنوع بين المخطوطات، والرسومات،
والمنحوتات، واللوحات التشكيلية، تجتمع كلها لتروي سيرة الحمّامات كعلامة حضارية
عابرة للعصور والحدود.

يمتد المعرض، الذي جاء ثمرة تعاون بين المتحف ومؤسسة الإرث الأندلسي في
غرناطة ومعهد الدراسات الدينية، على جغرافيا ثقافية من الشرق الإسلامي إلى قلب
الأندلس، مستعيدًا حضور الحمّام في المدن القديمة، حيث كان المسجد والحمّام أول ما
يُشيَّد في المدن الجديدة، بوصفهما معًا القلب النابض للمدنية الإسلامية.

ففي المشرق العربي، كما في مصر وبلاد الشام، وكذا في تركيا والمغرب
والأندلس، لم يكن الحمّام مجرّد مكان للنظافة، بل ملتقىً لتبادل الحكايات، وإبرام
الصلح، وبدء طقوس الأفراح، وممارسة الطهارة كطقسٍ ديني قبل أن تكون عادة يومية.

تكشف المعروضات، التي يعود بعضها إلى القرن التاسع عشر، كيف فتنت هذه
الفضاءات الرحّالة والفنانين الأوروبيين المتأثرين بالرومانسية وحركة الاستشراق،
فوثّقوها بريشتهم وعدساتهم، ورأوا فيها عالمًا مسحورًا، يحتفظ بدفء الحجر وبخَفَر
الأسرار.

ويضيء المعرض على تشكُّل الحمّامات في الحضارة الإسلامية بتأثير من النموذج
الروماني والبيزنطي، ثم كيف تطوّرت لتنسجم مع روح المجتمع الإسلامي وتقاليده.
فصارت الحمّامات، كما يصفها المعرض، أمكنة تتداخل فيها المياه والضوء والظلّ،
وتلتقي فيها الحاجة بالجمال.

ولا تقتصر قيمة المعرض على بعده التوثيقي، بل تتجلى في قدرته على إثارة
أسئلة حول العلاقة بين المكان والذاكرة، بين العمارة والطقس اليومي، بين ما كان
ذات زمنٍ خاصًا جدًا، وما تحوّل اليوم إلى تراث منسي أو وجهة سياحية باهتة.

إنه ليس فقط معرضًا للصور والوثائق، بل هو دعوة للتأمل في دور المكان في
صياغة الثقافة، وللاعتراف بأن الحمّام كان يومًا قلبًا نابضًا في جسد المدينة
الإسلامية، كما كان أيضًا مرآةً خفيّة لحياة الناس وتحوّلاتهم.

/العُمانية /النشرة الثقافية/

أمل السعدية / جعفر