الجزائر في 17
نوفمبر 2025 /العُمانية/ يُعد كتاب الطفل في العالم العربي، مرآةً
لتصورات المجتمع عن الطفولة، وجسرًا تربويًّا وجماليًّا يُسهم في بناء الوعي وتنمية
القيم، غير أن هذا المجال ما زال يواجه تحديات متعدّدة تتعلق بمضمونه، وشكله،
وآليات إنتاجه.
وفي ندوة حول أدب الطفل، أكدت الباحثة
الجزائرية د. يمينة بغور، أن هذا الكتاب يعاني في أغلب الأحيان من ضعف التنويع،
وغياب الابتكار الفني، وندرة الإصدارات الموجهة للفئات العمرية المبكرة. كما رأت
أن كثيرًا من الكتب المطروحة في السوق تُقدّم الطفل بوصفه متلقّيًا سلبيًّا، ولا
تمنحه المساحة الكافية للتخيّل والتفاعل.
وأشارت بغور، في حديثها لوكالة الأنباء
العُمانية، إلى أن التراث العربي يمكن أن يكون مصدرًا غنيًّا لتعزيز الهوية
والانتماء، إلا أن استثماره غالبًا ما يتم بطريقة نمطية، في حين يمكن إعادة توظيفه
بأساليب إبداعية معاصرة.
وأضافت: “بالمقابل، ظهرت خلال
السنوات الأخيرة مبادرات نوعية من كُتّاب ورسّامين ودور نشر عربية، تسعى إلى تقديم
محتوى عالي الجودة يستجيب لمعايير تربوية وجمالية حديثة، ويتناول قضايا جديدة تمسّ
واقع الطفل مثل: التنوع الثقافي، والتكنولوجيا، والتغيّر المناخي”.
ورأت أن مستقبل كتاب الطفل العربي يتوقف
على تبنّي سياسة ثقافية شاملة، تنطلق من خصوصيات الطفولة وتراعي حاجاتها النفسية
والفكرية، مشدّدة على أهمية تعزيز الشراكات بين الكتّاب، والناشرين، والمربين،
وتوفير دعم مؤسسي مستدام.
من جهتها، قالت الباحثة في علم النفس د.
حنيفة صالحي: إن المطالعة تمثل ركيزة أساسية في تنمية المهارات الذهنية واللغوية
لدى الطفل، وأن نوعية الكتاب الموجّه للطفل يجب أن تراعي مستوى وعيه، وخبراته،
وخياله، ومشاعره.
وأضافت أن الغياب الواضح للجهات
الرقابية المؤطرة لهذا النوع من الإنتاج، أدى إلى اختلالات في مضمون الكتاب،
وتفاوتٍ في جودته، مشيرة إلى أن بعض الكتب تعاني من مشكلات على مستوى الفكرة، أو
الصياغة، أو التصميم، أو التسويق.
وحذّرت صالحي من تأثير الانصراف
المتزايد للأطفال نحو المحتوى الرقمي السريع، قائلة: “هنا تكمن خطورة أن
يتلقى الطفل محتوى غير خاضع لضوابط نفسية أو تربوية، يتلّقى فيه المتعة دون عناء
التفكير أو التأمل، وهذا ما ينعكس في تراجع قدرة الأطفال على التجريد، وعلى
استخدام اللغة منطوقًا ومكتوبًا”.
أما الشاعر والباحث نور الدين مبخوتي،
فلفت إلى عزوف عدد كبير من المبدعين العرب عن الكتابة للطفل، رغم انتشارهم الواسع
في مجالات السرد والشعر، واعتبر أن من يكتب للطفل ينبغي أن يحتفظ بطفولته
الداخلية، وأن يكون ملمًّا بالنفس الطفولية واحتياجاتها.
وأضاف أن المسرح الشعري للأطفال يُعدّ
من أكثر الأجناس تعقيدًا، كونه يجمع بين تقنيات الشعر والمسرح، ويحتاج إلى تمكّن
لغوي وحسّ فني خاص. وقال: “رغم وجود بعض التجارب الرائدة، مثل أحمد شوقي،
ومحمد الهراوي، وصلاح عبد الصبور، إلا أن هذا الحقل الإبداعي لا يزال مهمشًا،
ويحتاج إلى دعم منهجي واستثمار حقيقي”.
وختم مبخوتي بالتأكيد على أن الطفل
العربي اليوم بحاجة إلى أدب يضعه في قلب الإبداع، لا على هامشه، ويمنحه أدوات
التخيّل والتفكير والانتماء، بعيدًا عن الخطاب التعليمي المباشر، والنماذج
المعلّبة التي لا تعكس واقعه ولا طموحاته.
/العُمانية/ النشرة الثقافية
أمل السعدية