إسماعيل يبرير: الروائي العربي مضطرٌّ أن يفتّش عن حيل للبقاء

الجزائر في 13
أكتوبر/العُمانية/ قدّم الروائي إسماعيل يبرير، عددًا من المؤلّفات الأدبية
الإبداعية التي وضعت اسمه على قائمة أبرز الكُتّاب الجزائريين، بدءًا من روايته
الشهيرة “وصية المعتوه” إلى آخر أعماله، وهي مجموعته القصصية “مدار
الكلب” التي صدرت قبل عام، وخلالها عرف المشهد الأدبي تألقه في العديد من
الجوائز في الشّعر، والرّواية، والمسرح، بالإضافة إلى إسهامه في الصحافة الثقافية
عبر عدة منابر إعلامية.

وقال إسماعيل يبرير في تصريح
لوكالة الأنباء العُمانية “إن كلّ ما أقدمه من أعمال هي اقتطاعات منّي، ومن
روحي، وتجربتي، ورؤيتي للحياة، وفي الكثير من الأحيان، أنا أفكّر مع شخوصي، أمنحها
الحريّة وأتحرّر عبرها، الحياة أصعب بكثير من التخيل، رغم ذلك نعيشها ونحاول
مقاربتها وتجميلها بالأدب، ولو طُلب مني تقديم تجربتي الكتابية عموما، والسّردية
خصوصا، فأنا مضطر إلى التزام الخوف والاكتفاء بالإصغاء إلى فهم وتأويل هذه التجربة
من القارئ حتى لا أسيء إلى فهمه”.

ومع أنّ يبرير كتب الشعر
والمسرحية، إلا أنّ حضوره كروائيّ بدا طاغيًا في تجربته، وحول هذه الإشكالية يرى
صاحب “وصية المعتوه” بأنّ الشعر هو سدّة المعنى، إذ يقول “لا يوجد
نصّ متجرّد من الشّعر، الإبداعية هي أنفاس الشعرية، صحيح أنّ الأجناس الأدبية
تختلف لكنها لا تنجو أبدا من ملامح الشعر التي تكوّن عنصرا مهمًّا في الجمالية
النهائية للنص، وسعيت جاهدًا أن أفصل بين الشعر والرواية، لكنّي أقع أحيانا في
سردية الشعر، وشعرية السرد، فكتبت رواية كاملة عن الشعر ودواخله هي “مولى
الحيرة” التي تحكي سيرة ستين سنة من حياة شاعر، وبالموازاة تاريخ ستين سنة من
السياسة والحياة في الجزائر والعالم العربي”.

ويضيف “الشعر والمسرح
شقيقان منذ القدم، الملحمات ولدت من رحم القصائد والصراعات الدرامية ابتكار شعري،
لكن مسرح اليوم يتكئ على الحركة والفعل الدرامي أكثر من الجملة، عموما ليس هناك
فنّ عظيم مثل المسرح للجماهير، وليس هناك فنّ إنساني مثل الشعر للنخب
والجماهير”.

أمّا عن واقع الرواية في الوطن
العربي، والمشتغلين بها، يقول يبرير “الروائي العربي مضطرٌ أن يفتّش عن حيل
للبقاء”، و “فن البقاء الروائي” يجبرنا أن نتعامل مع الجوائز
والترويج الذاتي والسعي بالعلاقات، هذه هي الحقيقة، لا يستطيع أي كاتب عربي أن
يضمن عيشا كريمًا من مداخيل تسويق كتبه، الكتاب لا يدر الأرباح، والجوائز على
علاتها التي يريد الجميع أن يظهرها قبل منافعها مكّنت من ترقية تلقي الأدب،
والرواية تحديدا، وأنتجت حركة استثنائية في العالم العربي، وظلالها واضحة على
القارئ والكاتب والناشر، وبعض الرّوائيين ولدوا بجوائز، والكثير من مشاهير الكتابة
حافظوا على ألقهم بالجوائز، ويوجد عدد مهمٌّ من الكتاب والروائيين الجيدين
والمميّزين لا تظهر أسماؤهم ولا منتوجاتهم في الساحة بسبب حظوظهم السيئة مع
الجوائز”.

وأضاف “هناك ملحوظة
جوهرية تتعلق بالجوائز، يتكلم الكثير من المعفيين من الفوز أو الذين يترشحون دون
تتويج عن المحاباة والانتقاء وذوق اللجنة كعوائق، بينما الحقيقة أنّ كلّ جائزة هي
تأسيس لتوجّهٍ ورؤيةٍ ثقافية أو فوق ثقافية، ولا يمكن للكاتب أن يتهم جائزة لأنها
لا تتفق مع نوعه الكتابي أو رؤيته الإبداعية، فالأمر معكوس، وهو أنّ كتابته
وإبداعه لا يندرج ضمن خط الجائزة وموقفها الأدبي، إضافة إلى أنه خلف كلّ جائزة
هناك التمويل والدعم المادي، فهل من المعقول أن يكون التتويج لأشخاص يعارضون أو
يسعون لزوال أفكار وتوجُّهات داعمي الجوائز؟”.

وحول الرواية الجزائرية، يؤكد
يبرير “الرواية في الجزائر مجهولة في العالم العربي؛ على أن هناك أسماء
يتلقّفها العالم العربي تتوسّع القائمة ويضاف إليها بعض الأسماء، وقد يحصل أن يكون
من بينها كاتب جزائري، لكن بالنظر إلى حجم الإنتاج الروائي وحركة النشر في الجزائر
والعدد المهول من الناشرين والكتاب الذين يقدّمون أعمالهم بشكل سنوي، فإنّنا
تقريبا نشكّل سوقًا روائيًّا مستقلا في العالم العربي، الأمر الجيّد في الجزائر هو
التلقي المتفتح على السّرديات العربية والغربية، فنحن نقرأ الرواية العربية،
والغربية المترجمة، وفي لغاتها الأصلية، ونقرأ التنوُّع الروائي في بلادنا، حيث
تصدر الرواية بلغات عديدة وبثيمات مختلفة”.

وأشار إلى أن هناك أجيال كتابة
الآن وأن الروائيين أمام الجيل الخامس من الروائيين الجدد، ورغم أنّ جيل
المؤسّسين، والجيل الذي تلاه قد توقّفوا عن الكتابة لأسباب الموت أو العجز، إلا
أنّ أجيالا لاحقة، بدءًا من جيل الجيلالي خلاص، وغيره يقدّمون أعمالهم بشكل منظم
ويشتغلون على نمط كتابي منسجم مع توجّهاتهم، في حين توجد أجيال أخرى من بينها
جيلي، وهو الجيل الأكثر حظّا في العالم العربي، من حيث النشر، والتتويج، ثم الجيل
الذي يتلو جيلي، والذي يستجيب تماما للتمرّد والسعي خلف الثيمات الصادمة وتحدّي
الرؤى النمطية، وفي العموم لا تختلف الكتابة الروائية من حيث الثيمات عن العالم
العربي في جزئية اصطياد الموضوع قبل الحكاية، والتركيز على الكتابة البحثية،
فالكثير من الاشتغالات الروائية كانت لفائدة الكتابة التاريخية والتي تحتاج إلى
مراجع وبحث.

ويضيف، “قد تبدو الكتابة
الأدبية، في بعض الأحيان، غارقة في التعليميّة، والسّعي إلى الفرضيات والفرضيات
المضادة، بسبب المبالغة في البحث عن موضوع منسيّ ومختلف واستثنائي ومستفز، وهذا
نوع من الهوس الكتابي”.

وبخصوص الإعلام الثقافي
العربي، وإسهامه في النهوض بالشأن الثقافي والأدبي، يرى يبرير أنّ العالم العربي
فقير جدا في الإعلام الثقافي المتخصص، إذ يقول “لدينا بعض المنابر الرائدة،
لكن الصحافة الثقافية المتخصّصة قليلة وضعيفة، ومن خلالها الصحافة الأدبية
المتخصّصة تكاد تكون منعدمة، باستثناءات قليلة مثل “أخبار الأدب” في
مصر، وممارسة الصحافة الثقافية تبدو كنوع من العقاب للصحفي في كثير من البلدان
العربية، لكنها في البلاد الغربية تتويج واحتفاء وقيمة عليا، فالصحفي الثقافي هو
المؤهّل لإجراء حوارات عالية المستوى، وهو المؤهّل لقيادة الصحيفة أو المؤسسة
الإعلامية لامتلاكه الرؤية والحدس والفهم، لكن الحاصل في العالم العربي أنّ الصحفي
الثقافي هو صحفيّ بسيط، لهذا فالذين أمضوا سنوات في الصحافة الثقافية هم أشبه
بالمناضلين الثقافيين، وقد شدّهم شغفهم وإخلاصهم ورغبتهم الثقافية لا أمر
آخر”.

جدير بالذكر صدر للروائي رواية
“ياموندا.. ملائكة لافران”، ثمّ “باردة كأنثى”، و”وصية
المعتوه”، و”مولى الحيرة”، و”منبوذو العصافير”،
و”العاشقان الخجولان”، ومجموعتان قصصيتان هما: “كأشباح ظريفة
تتهامس”، و”مدار الكلب”، ومجموعات شعرية هي: “طقوس
أولى”، و”التمرين أو ما يفعله الشاعر عادة”، و”أسلّي غربتي
بدفء الرّخام”، وقدّم في المسرح بعض الأعمال، على غرار “الراوي في
الحكاية”، و”عطاشى”، وغيرهما.

/العُمانية/ النشرة الثقافية/
شيخة الشحية