استبدال العملة السودانية.. بين الأهداف والمخاطر

استبدال العملة السودانية.. بين الأهداف والمخاطرمن محمد عبدالعزيز (تقرير اخباري)الخرطوم – 6 – 1 (كونا) — مع انتهاء المهلة التي حددها بنك السودان المركزي لاستبدال جزئي للعملة المحلية بحلول نهاية ديسمبر 2024 طفت تعقيدات على خلفية التحديات الأمنية الراهنة تجعل من تنفيذ مهمة عملية التداول أمرا معقدا يتطلب حلولا مبتكرة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.وانطلقت عملية استبدال العملة من فئتي 500 و1000 جنيه (الدولار يعادل نحو 601 جنيه سوداني) في العاشر من ديسمبر 2024 بموجب مهلة مددها البنك المركزي حتى أواخر الشهر ذاته من خلال تصميم أمني متطور للتداول في مناطق يسيطر عليها الجيش مع حظرها في مناطق قوات (الدعم السريع) مما عقد حركة التداول بين السكان.وبحسب مراقبين فإن استبدال العملة جاء من أجل إعادة الكتلة النقدية إلى قطاع المصارف حيث يقدر أن الكتلة النقدية خارج القطاع المصرفي تتجاوز 80 بالمئة من الكتلة النقدية بسبب نهب المصارف وإحجام المواطنين عن التعامل المصرفي منذ اندلاع الحرب.ويبرر البنك المركزي طرح العملة النقدية الجديدة بعدة أسباب رئيسية بينها حماية العملة الوطنية واستقرار سعر الصرف وتحقيق الاستقرار الاقتصادي ومعالجة آثار النهب الذي طال البنك والمطابع النقدية ما أدى إلى انتشار كميات كبيرة من العملة غير المطابقة للمواصفات بالإضافة إلى زيادة السيولة النقدية التي فاقمت التضخم.ويرى المراقبون والخبراء أن استبدال العملة يستهدف استقرار الاقتصاد وتعزيز الثقة بالنظام المصرفي لكنه يواجه تحديات كبرى أبرزها التضخم وإغلاق 70 بالمئة من الفروع المصرفية بمناطق النزاع.ومع تداول 90 بالمئة من السيولة النقدية خارج النظام المصرفي تدهور الجنيه السوداني بشدة فيما تجاوز التضخم حاجز ال 200 بالمئة.ويؤكد المحلل الاقتصادي هيثم فتحي في حديث لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) أن تغيير العملة بات مطلبا حتميا لاستعادة التوازن الاقتصادي رغم تأخره إلا أن التحديات الأمنية الراهنة تجعل من تنفيذه مهمة معقدة الأمر الذي يستلزم التحرك لإيجاد حلول جديدة تكفل تحقيق الأهداف المرجوة.ويرى فتحي ضرورة تعزيز الشمول المالي من خلال الانتقال إلى تتبع حركة الجنيه السوداني إلكترونيا بما يسهم في سحب الكتلة النقدية المتداولة خارج النظام المصرفي وإيداعها داخله.ويؤكد أهمية توفير سلة من العملات العالمية كغطاء للجنيه الجديد لضمان استقرار قيمته بعيدا عن التضخم وتقلبات العملات الدولية مشيرا إلى أن أزمة عرض النقود ستستمر إذا تم استبدال العملة دون تخفيض العرض النقدي إلى المستويات الطبيعية.وتساءل عن كيفية تطبيق ذلك في المناطق غير المستقرة أمنيا خاصة مع انتشار العملات المزيفة خصوصا الفئات الكبيرة التي تؤثر سلبا على التحويلات المحدودة عبر التطبيقات المصرفية داعيا إلى زيادة الأوراق النقدية لتعويض تراجع القوة الشرائية.ويحذر من خطر الركود الاقتصادي “فانخفاض العرض النقدي في المناطق المضطربة منذ 15 أبريل 2023 أدى إلى تراجع المبيعات” مؤكدا ضرورة أن يتصدى البنك المركزي للفساد ويمنع تداول العملات المزيفة أثناء عملية استبدال العملة.وفي المقابل يرى الخبير الاقتصادي الدكتور التجاني الطيب في حديث ل(كونا) أن جوهر المشكلة يكمن في “السيولة الفائضة” الناتجة عن عجز الحكومة وليس التزوير.وقال ان الحرب خفضت الإيرادات بنسبة 80 بالمئة إلى 5ر1 تريليون جنيه بينما رفعت الإنفاق إلى 30 تريليونا ما أدى إلى عجز كبير بلغ 5ر28 تريليون في 2023 و3ر52 تريليون حتى أكتوبر 2024.ومع توقف الإنفاق التنموي وزيادة الصرف العسكري وصل العجز الكلي إلى 105 تريليونات جنيه مما تم تمويله بالسحب على المكشوف الامر الذي يهدد الاقتصاد رغم حجم العملات المزورة.ويلفت الطيب إلى أن شرط الاستبدال عبر الحسابات المصرفية غير عملي بسبب ضعف البنية المصرفية حيث يعمل فقط 20 بالمئة من الفروع في الولايات المستهدفة وأن “هذا الإجراء قد يحرم العديد من المواطنين ويفتح الباب للسوق السوداء”.وذكر أن غياب سقف للتحويلات يعزز التلاعب في حين ان قصر العملية على سبع ولايات يحد من فعاليتها بينما تمنح الفجوة الزمنية فرصة لتسلل العملات المزيفة للمناطق المستثناة.وشملت عملية استبدال العملة 7 ولايات فقط من أصل 18 نظرا للسيطرة الأمنية لقوات (الدعم السريع) في بعض المناطق واستمرار القتال في ولايات أخرى.وأكد البنك المركزي أن تأجيل استبدال العملات في 11 ولاية بينها الجزيرة وولايات دارفور وكردفان هو إجراء استثنائي لضمان تنفيذ الخطة بدقة وحفظ حقوق المواطنين.وشدد على أن العملات تظل سارية حتى استبدالها لاحقا مؤكدا التزامه بعدالة وشمولية العملية رغم التحديات.وواجه إعلان الحكومة السودانية عن استبدال العملة انتقادات سياسية حيث اعتبرت قوات (الدعم السريع) التي تقاتل الجيش أن الخطوة لا تعنيها معتبرة الحكومة غير شرعية ورأت فيها جزءا من خطة لتقسيم السودان وفصل أقاليمه.ويعتبر المحلل محمد الأمين ل(كونا) أن استبدال العملة “قفزة فوق المراحل” ويسهم في تعزيز انقسام البلاد حيث إن الكتلة النقدية الكبرى في مناطق الإنتاج مثل حزام الصمغ العربي ودارفور والوسط ستستبعد من الاقتصاد السوداني.ويضيف أن صعوبة التنقل بين الولايات قد تعرض المواطنين المتنقلين من مناطق سيطرة الدعم السريع للملاحقة بتهمة نقل نقود لصالحها.ويحذر الأمين من أن التبديل الجزئي للعملة قد يدفع (الدعم السريع) إلى طباعة عملة خاصة أو استخدام العملات القديمة أو عملات دول الجوار ما يعزز الانقسام الحالي وتصاعد الدعوات لإنشاء حكومة موازية في مناطق الدعم السريع. (النهاية)م ع م / ط م ا