
مسقط في 20 أكتوبر/العُمانية/ تعد السيرة الذاتية الأدبية إحدى الأجناس
التي تُعنى بالحديث عن الذات، وتتيح للكاتب استعادة محطات حياته وتجاربه، واستحضار
ذاكرته بين ما عاشه فعلاً وما يستعيده سردًا وتأملًا، إنها كتابة تنبع من ذات
الإنسان مع مرور الزمن ورغبته في أن يترك أثره في نص يوازن بين الاعتراف والتخييل.
وفي الأدب العُماني أخذ هذا النوع من الكتابة مكانته معتمدًا على تجربة
سردية تتقاطع فيها الذات الكاتبة مع الذاكرة الجماعية في صورة تعكس ملامح البيئة
العُمانية بتفاصيلها الطبيعية المتنوعة وشخصياتها.
وفي هذا السياق، تتحدث الباحثة العُمانية الدكتورة فايزة بنت محمد
الغيلانية ومن خلال قراءة تحليلية إلى مفهوم السيرة الذاتية، وحدود تقاطعها مع
فنون السرد الأخرى، مبيّنة أبعادها الفنية والجمالية، وحضورها في المشهد الأدبي
العُماني، والدوافع النفسية والثقافية التي تدفع الكتّاب إلى تدوين تجاربهم
الحياتية واستعادة ذواتهم في نصوص تجمع بين هوية ذات الكاتبة والزمن والمكان.
قدمت الباحثة العُمانية الدكتورة فايزة بنت محمد الغيلانية عددًا من
الإسهامات البحثية والأكاديمية في مجال السيرة الذاتية، من أبرزها كتابها
“السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث في عُمان والخليج”، ومقالها
العلمي بعنوان “علاقة السيرة الذاتية بالأنواع المرجعية الأخرى” المنشور
في مجلة كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السُّلطان قابوس، ومقال
“الزمن في السيرة الذاتية” في مجلة التراث، إلى جانب مشاركتها بورقة
علمية بعنوان “علاقة السيرة الأدبية بأدب الرحلات” ضمن مؤتمر “خطاب
الرحلة في الأدب العُماني: مقاربات بينية”، فضلًا عن إلقائها محاضرات متخصصة
حول السيرة الذاتية في عدد من الفعاليات الثقافية المحلية.
وتتطرق “الغيلانية” إلى تعريف السيرة الذاتية بوصفها سرد استعادي
تحكيه شخصية حقيقية لقصة حياتها في عدد غير قليل من السنوات، تبدؤها من أي مرحلة
شاءت، وتنهيها بأية مرحلة تختارها، تروي خلالها مما يعتمل في دواخلها من أفكار أو
عواطف أو اعتقادات، أو ما مرّ بها وجرى لها من أحداث ووقائع، حيث لا تقتصر على
التركيز ما شد انتباهها من أحداث، أو ما أثر فيها على نحو بالغ، بل تستطرد لتروي
ما يتعلق بها على وجه الخصوص دون غيرها. وهي ميزة تفترق فيها السيرة الذّاتية عن
غيرها من كتابات الذات الأخرى التي تسلّط الضوء على ما يحيط بالذات من شخصيات أو
ما يجري في الزمان والمكان من أحداث أو يتصفان به.
وأوضحت أن السيرة الذاتية تتداخل مع غيرها من الكتابات المرجعية كاليوميات
والمذكرات والرواية والمقالة الذاتية ورسائل وأدب الرحلات والخواطر وغيرها، وتقترب
منها حد الالتباس؛ لأنها تركز في مجملها على ذات الكاتبة وما تشهده من وقائع؛ غير
أنه لا يصحّ أن نسمي كل عمل تتضح فيه ذاتية صاحبه، أو نقرأ فيه شيئًا من سيرته
وواقعه، أو مشاهد من حياته أو فكره، وموقفه من الناس والحياة باسم السيرة الذاتية.
وتفترق السيرة الذاتية عن غيرها بضرورة وجود الميثاق المرجعي المثبت فيها والمدرج
في متنها، والمؤكد دون شك على تطابق الهويات الثلاث من المؤلف والراوي والشخصية.
وفي الحديث عن تقاطع السيرة الذاتية مع فنون السرد الأخرى في البناء
والتقنيات، أكدت أن التحليل الداخلي لنصوص السيرة الذاتية لم يخصها بأية مزايا
فنية تفرقها عن غيرها من الأنواع الأدبية كالقصة والرواية أو السرد التاريخي؛ إذ
تشترك معها في الصياغة الأدبية والعرض المتسلسل وتوظيف الطرائق السردية في النص
والقدرة على رسم الشخصيات وسلامة اللغة، إلا أنها تمكنت من أن تستقل بصورتها التي
تميزها عنها في احتفاظها بجوهر نقلها قصة كاتبها يرويها بنفسه.
وبيّنت أن السيرة الذاتية ليست تلك التي يكتبها صاحبها على شكل مذكرات
يُعنى فيها بتصوير الأحداث التاريخية، أكثر من عنايته بتصوير واقعه الذاتي، وليست
هي التي تكتب على صورة ذكريات يُعنى فيها صاحبها بتصوير البيئة والمجتمع
والمشاهدات أكثر من عنايته بتصوير ذاته، وليست هي المكتوبة على شكل يوميات تبدو
فيها الأحداث على نحو متقطع غير رتيب، وليست في آخر الأمر اعترافات يخرج فيها
صاحبها على نهج الاعتراف الصحيح، وليست هي الرواية الفنية التي تعتمد في أحداثها
ومواقفها على الحياة الخاصة لكاتبها ممزوجة بالخيال الذي لا يطابقها مع الواقع،
وليست لأنها تفتقر إلى كثير من الأسس الفنية التي تعتمد عليها. بل تمثل السيرة
الذاتية مصدرًا أصيلًا لهذه الأنواع الأدبية جميعها، من حيث الموضوع والتقنيات،
تمنح كل نوع منها سمة بعينها ولا تأخذ منه. ويعزز القول بأصالة السيرة الذاتية
جملة من الأسباب التاريخية والموضوعية لإعادة البحث والاشتغال على السيرة الذاتية
بعيدًا عن هالة التأثير والتأثر التي تقترن بها في علاقتها بالأنواع الأدبية
الأخرى، إذ ينبغي النظر إلى السيرة الذاتية نظرة فلسفية وتاريخية بوصفها قصة حياة
الإنسان على امتداد وجوده في الأرض. فكل قصة منها هي سيرة ذاتية مثّلت دون شك
أساسًا، وموضوعًا في نوع كتابي ما، ماثلت فيه الواقع مماثلة تامة، أو تتبعت خطاه،
وأحالت إليه دون أن تشابهه على الوجه الأكمل.
وأما عن حدود التداخل والاختلاف أشارت إلى أنها تختلف من فن إلى آخر، قربًا
أو بعدًا، مع التنبيه على أنه لا توجد أشكال وتقنيات مخصوصة بهذه الأنواع، غير أن
الأساس الذي تُبنى عليه السيرة الذاتية هو احتفاؤها بالذات الكاتبة أكثر من غيرها،
بينما يمكن لنا القول إن الأنواع الأخرى تتجه للخارج بقدر اتجاهها للذات، أو تسلّط
الضوء على مشاهدات الذات للآخر أكثر من حديثها عن نفسها. وتضيف أن السيرة الذاتية
تختص بجملة من الأمور تلتقي فيها مع غيرها من كتابات الذات المرجعية، أو تفترق
عنها، ومن أهمها: ذات الكاتبة نفسها التي تركز على ما يجري داخل الأنا من معان
وأفكار وتأملات، وتروي الأحداث الشخصية للذات الكاتبة من الطفولة إلى المرحلة التي
كتب عندها سيرته الذاتية، أو ينتقي مرحلة من مراحل حياته زاخرة بالتجارب لتدوينها
وروايتها، اعتمادًا الذاكرة في تدوين الأحداث، وإعادة ترتيب الماضي، والإسهاب
والاسترسال في ذكر الأحداث والوقائع والحوارات مع مرجعية الأشخاص والأماكن
والأحداث التاريخية.
وفيما يتعلق بحضور السيرة الذاتية في المشهد الأدب العُماني أشارت
الغيلانية إلى أن تتبع السير الذاتية المنشورة في الأدب العُماني تظهر حداثته،
وأنه صائر إلى التشكّل، متأثرًا بعدم استقرار تعريف السيرة الذاتية في الأدب
عمومًا، فليس له تعريف جامع بين الباحثين جميعهم، فكل عرفه وفق نظرته ومنهجه، ولم
تقر قوانينه بعد، ولم تستكمل حدوده، كما أن الإشكالات الفنية التي يطرحها نص
السيرة الذاتية بسبب التداخل بينه وبين أنواع كتابات الذات المرجعية الأخرى، أظهر
اضطرابًا في الإحالة الأجناسية لنصوص السيرة الذاتية، وغيرها من كتابات الذّات
الأخرى في هذه الكتب المنشورة.
وأضافت أن الكتّاب العُمانيين الذين شرعوا في تدوين تجاربهم الشخصية، قد
استفادوا من التجارب السابقة في الأدب العربي أو العالمي، إذ تظهر سيرهم الذاتية
غنيّة بالمقومات الفنية التي تقترب بأعمالهم إلى جنس السيرة الذاتية من خلال تبئير
الذات الكاتبة، وتوظيف التقنيات الفنية في الكتابة، والاعتناء بموقع الراوي في
السرد، وتنوع المعجم اللغوي، وعكس سيرهم الذاتية لقصة حياتهم وفق الشكل الأدبي
المختار لها.
وقالت إن كتابة السيرة الذاتية لم تقتصر على الشخصيات المشهورة أو
المعروفة، بل طرقتها شخصيات عدة لا تعد بعضها من الوجوه العامة المعروفة في
المجتمع العُماني، وإن كانت معلومة في النطاق الضيق لمجتمعها وتخصصها. وترى أن
الحاجة قائمة إلى إعداد ببليوجرافيا لإصدارات السيرة الذاتية في الأدب العُماني،
وتحديثها بصورة مستمرة، لتفرعها وتداخلها مع كتابات الذات المرجعية الأخرى من أجل
سد الحاجة المعرفية لهذه الإصدارات، والاستفادة منها في الدراسات النقدية التي
تساهم في المعرفة الإنسانية، والتي يمكن أن تكون مؤثرة في الاقتراب من تقعيد
الخصائص الفنية القارة لهذا الجنس الأدبي.
أما عن تأثير البيئة العُمانية –بجغرافيتها، وتنوعها الثقافي والاجتماعي–
في تشكيل بنية السيرة الذاتية وملامحها الفنية لدى الكُتّاب العُمانيين، قالت إن
المكان مكوّنًا سرديًّا من مكونات السيرة الذاتية في الأدب العُماني، ويتخذ مكانة
مركزية فيها. واستوعب الوصف للمكان ملامح البيئة العُمانية بتفاصيلها الطبيعية
المتنوعة، ومسمياتها المحلية، ولغتها الدارجة، وتقديمها لصورها، وممارساتها
الحياتية، مع الحرص على الوصف الموضوعي للأماكن والشخصيات، بعيدًا عن الوصف النفسي
الذي يمكن أن يثير اللبس في مرجعيتها، كما جاء المكان بأشكاله المتعددة التي تنقلت
الذّات فيها، وعايشتها سنين حياتها، واستقرت بها قدرًا طويلًا أو قصيرًا من الزمن،
مبرزة الإطار الثقافي والاجتماعي لهذا المكان.
وقالت إن الوصف طال المكان الحميم والقريب الذي مثل بيئة الذات ومسكنها
مثل: بيت الطفولة، واهتمت الذات الكاتبة بإيراد الحقائق والانطباعات عنه وإعطاء
وصف له مع ذكر مختلف أجزائه مثل البلدة والأماكن التي عاشت فيها، والحواضر والمدن،
وعاداتها وتقاليدها. كما وصفت المكان البعيد والغريب الذي انتقلت إليه لظروف السفر
أو العمل أو العلاج أو السياحة والتّأمل، فصوّرت مشاهد كاملة تضجّ بالحركة
والصراع، وتزخر بالصور البصرية والسمعية التي ترسم المكان رسمًا حيًّا، وتضافرت
هذه الصور واللغة الوصفية في الكشف عن مقاصد الذات الكاتبة، وبيان علاقتها بالمكان
وأثره فيها.
أما عن الدوافع النفسية والاجتماعية والثقافية التي تدفع الكاتب إلى كتابة
سيرته الذاتية، أشارت إلى أن هناك غايات ودوافع مختلفة لخوض تجربة تسجيل الحياة
واستعادتها، وفقًا للبيئة التي تنتمي لها الذّات الكاتبة. فالدّوافع التي تقوم على
الرغبة في الاعتراف وتقديم الشهادات قد تكون مقبولة في مجتمع، ومرفوضة في مجتمع
آخر، ومن هنا فالدّوافع والغايات تتشابه، ويمكن أن تختلف من مجتمع لآخر.
وقالت إن الإنسان هو الكيان الوحيد القادر على أن يحيل نفسه بنفسه على ذاته
في الكلام، وبذلك يكون في الوقت نفسه الذات المتلفظة في الخطاب وموضوعها، حيث إن
حياة الإنسان أساسًا لكل الحكايات المرجعية والتّخيلية، وإنّ كتابتها تتيح له
أمرين هما: روايتها، والحفاظ عليها من الفناء. وأضافت أنه يمكن التركيز في السّير
الذّاتية في الأدب العُماني على ثلاث غايات كبرى تضم دوافع مختلفة لكتابتها، هي:
الغاية الشخصية التي تضم دوافع الذكر الحسن والتعليم والقدوة والبوح والمشاركة،
والغاية التاريخيّة وتضم دوافع الشهادة على العصر وتسجيل الشخصيات والأماكن
وتوثيقها، والغاية الأيديولوجيّة التي تضمّ دوافع الاعتزاز بالهوية وتوضيح صورة
العرب والمسلمين، وبيان الرؤى، والمواقف الأيديولوجية الخاصة.
وعن أبرز السمات الفنية والجمالية التي تبرز رؤية السارد العُماني في صياغة
سيرته الذاتية، أوضحت أنه قد تتباين قدرة السارد العُماني في السّير الذّاتية على
توظيف الخصائص الفنية؛ مما أكسب كل سيرة ذاتيّة نهجًا وطريقة خاصّة بها، تلتقي أو
تفترق عن غيرها من السّير الذّاتيّة المكتوبة في المدة الزمنية نفسها أو قبلها أو
بعدها، حيث ظهر فيها اضطراب الإحالة الأجناسية لنصوص السيرة الذّاتيّة، وغيرها من
كتابات الذّات الأخرى.
وقالت إن من حيث اللغة ينطلق كاتب السّيرة الذّاتيّة في تعامله مع اللغة من
بعد واقعي، ومرجعيّة حقيقيّة تهدف إلى التعبير المباشر عن الواقع. فهي لغة تبليغية
إخبارية دالة على جملة من المعاني، تكاد تخلو من البعد الجمالي الذي يعتمد على
الصور البلاغية والتخيل، ولا تحفل بالزخرفة اللفظية وتحسين المفردات. أما عن ظهور
التنويع اللغوي داخل خطاب السير ذّاتي، فجاء بعضه مكتوبًا باللغة العربيّة الفصحى
فقط، وزاوج بعضه الآخر بين اللغة العربية الفصحى واللهجة العاميّة.
وأوضحت أنه من حيث الأسلوب روى أغلب كتّاب السيرة الذاتية حكاياتهم
مستخدمين ضمير المتكلم المتصل في جلّ ما كتب من سير ذاتيّة؛ مما جعل تركيزهم في
مختلف الأحداث والمواقف على الذّات التي اضطلعت بأدوارها المتنوعة في مراحل حياتها
المتلاحقة من الطفولة، ثم الشباب، إلى لحظة اتخاذ القرار بكتابة السيرة الذاتية،
مما مكّنهم من المباشرة والوضوح في توجيه خطابه الأدبي للقراء، والانتقال عبر المراحل
المختلفة بسلاسة ويسر، فلا مسافة قائمة بين الكاتب وذاته عند توظيفه لهذا الضمير؛
فالذات موضوع الوصف والتأمل والتحليل، وهي الحدث وفاعله، وهي محور الحكاية، مع
استخدامات لضمير الغائب في بعض السياقات تتوافق مع غايات نفسية قصدت إليها الذات
الكاتبة.
وقالت إن طرائق السرد تناوبت في هذه السّير الذاتية وتداخلت في سياقاتها،
منها: الوصف الذي شاع في السير الذاتية العُمانية ضمّ مكونات سردية كوصف الذات
الخارجي والداخلي والمكان والعلاقات الأسرية، أما بالنسبة للحوار فأضاف قيمة فنية
إلى السيرة الذاتية في تنويع السرد، وتحقيق جملة من الفوائد عبر التأكيد على
واقعية الحكاية وإبراز شخصية صاحب السيرة الذاتية وهويته، وزيادة الحبكة، وكسر
رتابة السّرد، وذكر المعلومات. أيضًا ساندت القصة أفكار الكاتب مما ساهمت في
بيانها وتوضيحها وكشفت دواخله، كما أنها غيرت مسار السرد المتواصل، وتشيع في النص
السردي المتعة والتشويق لأنها قصص حقيقية ومرجعية؛ أعطت صورة للإطار الداخلي
للشخصية مباشرة دون الحاجة إلى التأويل والاستنباط. إلى جانب الأسئلة والأجوبة
التي لم تكن نفعية براجماتية، وإنما كان لها غاية بيانية تأثيرية، وأدت جملة من
الوظائف من خلال التعريف بالذات الكاتبة والتشويق والتقرير.
وأوضحت أن بنية السرد اتّخذت أشكالاً مختلفة بسبب تنوع أنماط المؤلّفين،
واختلاف تجاربهم الحياتية، وتمايزت في الطول وكثافة الحكي وترابطه، وتفاوتت فيما
بينها في درجة تركز الحديث حول الذات، أو الانصراف إلى موضوعات، وشخصيات أخرى.
وأشكالها هي: السيرة الذّاتيّة القصصيّة ومن نماذجها: (مذاق الصبر) محمد عيد
العريمي، و (العائدون حيث الحلم) حبيبة الهنائية، و (ناجية الوادي) زوينة الغاوي.
ومن سماتها البنائية أنها تمتاز بحجمها المختصر، فهي أقصر من السّيرة الذّاتيّة
الروائية التي لم تظهر، ولم نجد لها أنموذجًا في السير الذاتية العُمانية، كما
تقدم غالبًا حدثًا وحيدًا ترتبط به الأحداث السابقة واللاحقة في مدة زمنية قصيرة
ومكان محدود للتّعبير، ولها بداية ووسط ونهاية تكون محددة مع إصابة الهدف المراد
إيصاله للقارئ.
وأضافت أن من أشكالها الأخرى هي السّيرة الذّاتيّة المقاليّة، ومن نماذجها:
(بوح الأربعين – سيرة إنسان) محمد بن سيف الرّحبي، و (شهد الذّاكرة – جندي من
مسكن) سعيد بن راشد الكلباني. ومن سماتها البنائية نجد الكاتب يسرد فيها تجارب،
وأحداث متنوعة تمتاز بالقصر، والتنقل من موضوع لآخر مع وجود رابط بينها، ودونه
أحيانًا أخرى، وتنوع أسلوب الكاتب من مقال لآخر، يظهر فيه رأيه وعواطفه.
وتعكس بعض السير الذاتية العُمانية تحولات المجتمع ثقافيًّا وسياسيًّا
واجتماعيًّا بما أثرت هذه التحولات على الذات الكاتبة، وفي هذا الشأن قالت
“الغيلانية” إن السير الذاتية مثلت أحيانًا مراجع تاريخية معتمدة لتوثيق
الأحداث والشخصيات، ومكّنت الآخرين من تقديم أعمال أدبية تمثلت في الروايات
والمذكرات، أو أعمال فنية كالمسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية.
وترى الغيلانية أن السير الذاتية لا ينبغي قراءتها كوثائق موازية للتاريخ
في السياقات كافة، فهي تعكس هذه التحولات من وجهة نظر الذات الكاتبة تبعًا
لخلفيتها الأيدلوجية اتفاقًا أو اختلافًا مع هذه الأحداث، ولا نفترض أن كل ما
تذكره السير الذاتية يعطي الصورة الكاملة، ولكنني أذهب إلى العكس وهو الاستعانة
بالوثائق التاريخية لبيان صحة السيرة الذاتية في أحداثها ومشاهداتها إذا تطلّب
الأمر هذا مع التأكيد على أن عمل الناقد الأدبي لا يتعلق بالبحث في الصدق أو
الكذب، ولكنها معينات عند النظر سياقيًّا في هذه السير الذاتية، وربطها مع الدوافع
والاستراتيجيات التي اعتمدتها السيرة الذاتية، وتأثرها بالحقبة الزمنية التي كتبت
فيها.
/العُمانية/ النشرة الثقافية
إيمان العويسية