طهران في 17
نوفمبر 2025 /العُمانية/ تمثّل الرواية الفارسية اليوم واحدة من أبرز نوافذ التلاقي الثقافي بين
إيران والعالم العربي، إذ تنفتح عبرها مساحة سردية مشتركة تُحاور الذاكرة والتاريخ
والإنسان، وتكشف عن طبقات غنية من التداخل الحضاري والفكري الذي تشكّل على مدى
قرون.
فبينما يُخيّل للبعض أن المسافة بين
الأدبين الفارسي والعربي واسعة، تقود قراءة الرواية الفارسية /القديمة والمعاصرة/
إلى اكتشاف حضور عربي واضح، يتجلّى في المكان، وفي الشخصيات، وفي البنى الثقافية
والدينية التي تشكّل خلفية النصوص.
وفي حديث لوكالة الأنباء العُمانية، يؤكد
الباحث الإيراني في مجال الأدب والترجمة مصطفى اسفندياري، أن العلاقة بين الأدب
الفارسي والعربي تُعدّ من أكثر العلاقات الأدبية في المنطقة ثراءً وتداخلاً،
مشيراً إلى أن الحضور العربي في الرواية الإيرانية ليس طارئًا ولا زخرفًا سطحيًّا،
بل هو حضور ممتدّ ومتجذر لغويًّا وفكريًّا وروحيًّا.
ويُقسّم اسفندياري صورة العربي في
الرواية الفارسية إلى 3 مسارات بارزة: أولها الرواية التاريخية، حيث يظهر العربي بوصفه شخصية محورية في
التحولات الكبرى، لاسيّما تلك المرتبطة بظهور الإسلام، إذ تدور كثير من هذه
الحكايات في مكة والمدينة والكوفة، ما يمنح السرد الفارسي عمقًا عربيًّا موصولًا
بالتاريخ الديني والسياسي.
أما المسار الثاني، فيبرز فيه العربي
كجارٍ ثقافيٍّ، ويظهر ذلك في الروايات المعاصرة، خصوصًا في مناطق التماس الجغرافي
بين إيران وجيرانها من العرب في الجنوب والغرب، حيث تتناول هذه الأعمال الاجتماعية
والتفاعلات اليومية، مقدّمة صورة إنسانية مُقرّبة جدًا تتجاوز القوالب النمطية.
وفي المسار الثالث، تترسخ صورة العربي
من خلال البعد الإنساني والعاطفي، كما في الروايات التي تتناول مشاهد التضامن
والمواساة والتآزر بين الشخصيتين الإيرانية والعربية في مواقف متعدّدة، وتُقدّم
هذه السرديات رؤية داخلية للحياة في الجهتين الإيرانية والعربية.
ويضيف الباحث أن التداخل اللغوي بين
الفارسية والعربية يمنح الرواية الإيرانية نكهة خاصة؛ فالكلمات ذات الأصل العربي
تُستخدم لمنح النص أبعادًا قدسية وفكرية، بحسب السياق. فحين تُستخدم مفردات ذات
طابع ديني تفتح النص على أفق روحي، وحين تحضر المصطلحات الفلسفية تتّسع دائرة
التفكير والتأويل، بينما تُضفي الكلمات العربية القديمة في الروايات التاريخية
طابعًا من الأصالة والرصانة.
ويؤكد اسفندياري أن الترجمة تُشكّل
جسرًا ثقافيًّا لا يقل أهمية عن النص نفسه، إذ إن حركة الترجمة بين الفارسية
والعربية نشطت في العقود الأخيرة، وأسهمت في تعميق التفاهم بين الثقافتين. ويبيّن
أن كل رواية مترجمة تفتح نافذة على الآخر، وتمنح القارئ العربي فرصة لاكتشاف ذاته
في مرآة الأدب الإيراني، بينما يعكس النص الإيراني صورة أعمق للعربي في وجدان
الكاتب الفارسي.
/العُمانية/
النشرة الثقافية/
أمل السعدية