ثقافي / الكويت.. بوابة مفتوحة على حضارات الماضي واكتشافات أثرية ضاربة في عمق التاريخ

الكويت 02 شعبان 1446 هـ الموافق 01 فبراير 2025 م واس
النشرة الثقافية لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) ضمن التعاون المشترك مع اتحاد وكالات الأنباء العربية (فانا):
على أرض دولة الكويت وتحت رمالها تختبئ قصص وأسرار حضارات تمتد جذورها إلى آلاف السنين حيث تشهد على إرث تاريخي وحضاري زاخر جعل من هذا البلد مفتاحًا ذهبيًا لفهم تاريخ المنطقة وربط حاضرها بماضيها.
وتحتضن الكويت سجلًا غنيًا بالاكتشافات الأثرية للحضارات القديمة التي تعاقبت على استيطان أرضها على مدى التاريخ بما يعكس دورها المحوري وإستراتيجية موقعها الجغرافي، ويجسد مركزيتها في التواصل بين الحضارات وتبادل الثقافات.
وتعود البدايات الأولى للبعثات الأثرية في البلاد إلى العام 1958 الذي يشكل علامة فارقة في انطلاق الاستكشافات الأثرية عبر البعثة الدنماركية التي شدت رحالها إلى الكويت بعد تلقيها دعوة من الحكومة الكويتية في العام 1957.
منذ ذلك التاريخ توالت برامج المسح والتنقيب الأثري على أرض الكويت وجزرها لتضع كنوز اكتشافاتها المتلاحقة على الخارطة الحضارية للمنطقة، وتقدم دليلًا إرشاديًا لثقافات ومدن ومجتمعات منذ بدء استقرار الإنسان على أرضها في نهاية الألف السادس قبل الميلاد.
وتعد جزيرة فيلكا التي يعتقد أنها كانت تحمل اسم (أجاروم) قديمًا من أبرز المواقع الأثرية في البلاد، حيث ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بحضارة دلمون القديمة، ولعبت دورًا حضاريًا محوريًا في تلك الفترة بسبب وقوعها على الطريق التجاري البحري العالمي الذي يربط حضارات بلاد الرافدين وحضارات جنوب شبه الجزيرة العربية .
ومع مرور الزمن شهدت فيلكا تقلبات في دورها الحضاري حيث تعرضت للتأثير الهلنستي بعد سقوط حضارة دلمون، إذ كشفت أعمال التنقيب الأثري عددًا من المستوطنات التي ترجع إلى تلك الفترة كالقلعة الهلنستية الفريدة في منطقة الخليج العربي وما تضمه من أبراج مراقبة ومعابد ومبان سكنية، إضافة إلى خندق يحيط بالقلعة من الخارج.
كما أظهر التنقيب في منطقة تل البهيتة الواقعة في مدينة الكويت اكتشافات مهمة لمستوطنات يبلغ عمرها نحو ثلاثة قرون تتمثل في مجموعة من الأحياء القديمة وتحتوي على آثار نادرة منها عملات وبقايا منازل وأدوات فخارية علاوة على آثار السور الثاني للكويت الذي يدل على فترة تأسيس المدينة في القرون الفائتة.
وكذلك كشفت منطقة كاظمة عن بقايا مستوطنات وأوان فخارية وعملات من العصر الأموي والعباسي تعود إلى (القرن الثامن والتاسع الميلادي) مما يؤكد دورها كمحطة تجارية مهمة في تلك الفترة علاوة على ما تشير إليه الدراسات التاريخية بأن المنطقة شهدت معركة ذات السلاسل الفاصلة بين المسلمين والفرس عام 12 هجري.
وتشير تقارير المسح الأثري إلى انتشار مراكز حضارية ترجع إلى فترة التاريخ الإسلامي في وادي الباطن الذي يعد جزءًا من طريق الحج البصري وكذلك منطقة أم العيش وكاظمة، إضافة إلى جزيرة عكاز.
كما تم اكتشاف بقايا مبان وأسوار في مناطق متفرقة من الكويت مثل منطقة الجهراء مما يعكس حياة المجتمعات القديمة وأنشطتها التجارية والزراعية.
ورغم مضي أكثر من ستة عقود على التنقيب الأثري في الكويت لا تزال الأرض تنبض بالاكتشافات الفريدة التي تضيف حقائق جديدة وأبعادًا أعمق عن امتداداتها الحضارية والثقافية على مدى العصور.
وفي هذا الإطار قال أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المساعد لقطاع الآثار والمتاحف بالتكليف محمد بن رضا أن موسم التنقيب الأثري لعام 2024 قد شهد اكتشاف مواقع أثرية جديدة في مناطق كاظمة والصبية وجزيرة فيلكا.
وقال ابن رضا في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن الفريق الكويتي الدنماركي (متحف موسغارد) عثر على معبد من العصر البرونزي شبه كامل يعود لحضارة دلمون، مؤكدًا أن هذا الاكتشاف يضيف حقائق جديدة حول استيطان الإنسان على أرض جزيرة فيلكا قبل 4000 سنة ويعطي أهمية إضافية للجزيرة ودورها الثقافي والتجاري والاجتماعي في منطقة الخليج العربي قديمًا.
وبيّن أن فريق التنقيب البولندي يعمل حاليًا في موقع (بحرة 1) في منطقة الصبية الذي يحتضن مستوطنة يعود تاريخها إلى 5700 قبل الميلاد .
وأوضح أن الفريق الكويتي البولندي قد أعلن مؤخرًا عن اكتشاف فناء أو ورشة لصناعة الحلي والزينة المصنوعة من الأصداف، حيث عثر على العديد منها أمام مساكن “ثقافة العبيد” التي تم التنقيب عنها في مواسم مختلفة بالإضافة إلى العديد من الفخاريات التي تتجاوز الـ 7000 سنة.
وأشار ابن رضا إلى أن من أهم الاكتشافات إثارة للإعجاب في موسم التنقيب الأثري 2024 اكتشاف رأس صغير لآدمي مصنوع من الطين وهو يعد الأول من نوعه في منطقة الخليج العربي.
وذكر أن قطاع الآثار والمتاحف في المجلس الوطني ما زال يشرف على بعثات عالمية للتنقيب عن آثار في المواقع الأثرية مثل البعثة الإيطالية في موقع القرينية والبعثتين الفرنسية والإيطالية في موقع القصور الذي يعود إلى القرن 8-9 الميلادي.
وعن الأهمية التاريخية لجزيرة فيلكا يؤكد مدير البعثة الأثرية الدنماركية إلى الكويت الدكتور ستيفن لورسن أنها شكلت مركزًا حيويًا للتجارة بين بابل القديمة والمحيط الهندي .
وقال الدكتور ستيفن في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن الاكتشاف الاستثنائي الأخير لفريق التنقيب المتمثل في مخطط شبه كامل لمعبد من العصر البرونزي يبلغ قياسه 11 × 11 مترًا يعد معلمًا مهمًا في فهم الممارسات الدينية لحضارة ومملكة دلمون، مؤكدًا أن أعمال التنقيب المستمرة تعد بالمزيد من الرؤى حول تاريخ الكويت في فترة ما قبل التاريخ.
وذكر أنه قد أعلن فريق الكويت الدنماركي (موسجارد) مؤخرًا بفخر عن الانتهاء بنجاح من موسم التنقيب لعام 2024 في جزيرة فيلكا .
وضمن جهود الدولة لحماية الآثار أعلن أستاذ الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة الكويت ومستشار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لشؤون الآثار والمتاحف الدكتور حسن أشكناني أن فريقًا فرنسيًا يصل إلى الكويت قريبًا لعمل ترميمات لموقع القلعة الهلنستية (تل سعيد) وحماية البقايا الأثرية المكتشفة في السنوات السابقة.
وقال أشكناني في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب يتعاون مع بعثة جامعة روما لا سابينزا الإيطالية لعمل مسح أثرى في مناطق شمال جون الكويت.
كما أشار إلى استضافة الكويت وفدًا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتعاون مع معهد الكويت للأبحاث العلمية وجامعة الكويت لاستخدام تقنيات مختبرية متطورة لدراسة آثار الكويت علاوة على إقامة ورشة ضخمة لأعضاء لجنة التراث العالمي للعمل على وضع معايير تتناسب مع قيم اليونيسكو لحماية وتطوير المواقع الأثرية في جزيرة فيلكا.
ولتعزيز نتائج الاكتشافات الأثرية علميًا أشرك المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الآونة الأخيرة عددًا من القطاعات للتعاون مع البعثات الأثرية في الكويت لتقديم تفسيرات وإجابات علمية عن مصادر المواد الأصلية المستخدمة في المواقع الأثرية المكتشفة وأنواع النباتات والبيئة القديمة.
ويعمل المجلس ضمن إستراتيجية تكاملية بدأت مع وصول أول بعثة أثرية إلى الكويت في عام 1958 واستمرت مع البعثة الأمريكية التي انطلقت أعمالها عام 1972 ثم البعثة الإيطالية عام 1976 والفرنسية عام 1983 و1993 وصولًا إلى البعثة البريطانية عام 1999 والسلوفاكية عام 2003.
وفي ديسمبر من العام 1957 افتتحت البلاد متحف الكويت الوطني في قصر الشيخ عبدالله الجابر الصباح بمنطقة دسمان قبل أن تنقل محتوياته في عام 1976 إلى بيت البدر بوصفه أحد بيوت الكويت التقليدية القديمة تمهيدًا لإقامة المتحف الجديد الذي افتتح عام 1983 ونقلت إليه المقتنيات الأثرية القديمة والإسلامية والشعبية ليصبح مركزًا حضاريًا وثقافيًا.
كما تمثل دار الآثار الإسلامية التي أسست عام 1983 مركزًا لنشر الوعي الآثاري والحضاري حيث تضم ما يقارب 30 ألف تحفة أثرية .
وتولي دولة الكويت عناية بالغة بعلم الآثار وتوثيق المواقع الأثرية حيث عهد قانون الآثار الكويتي الصادر بالمرسوم الأميري رقم 1 لعام 1960 وتعديلاته اللاحقة إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مهمة حماية الآثار وتسجيلها ونظم طرق المحافظة عليها.
وعمدت البلاد إلى تعزيز إسهاماتها الخاصة بمجال علم الآثار على يد مجموعة من علماء الآثار الذين أثروا خزينتها بكثير من الدراسات المتخصصة في حقل البحوث الأثرية والعديد من المؤلفات التي حوت خلاصات حول تاريخ الكويت ومنطقة الخليج العربي.
كما تتبنى الدولة قوانين صارمة لحماية الآثار من العبث أو التدمير حيث تجرم أي أعمال تخريبية أو تهريب للقطع الأثرية وتضع عقوبات رادعة لضمان الحفاظ على التراث الثقافي.
وتمثل آثار الكويت شهادة حية على تطور الحضارة الإنسانية في المنطقة وبوابة مفتوحة على عوالم سابقة ومصدر جذب دائم للباحثين والمؤرخين وقبلة للسائحين علاوة على كونها مرآة عاكسة لهوية الدولة وجذورها التاريخية والثقافية على مر العصور لا سيما أنها تمثل أقدم مناطق الشرق القديم التي استوطنها الإنسان.
// انتهى //
15:17 ت مـ
0060