ثقافي / من المكسيك إلى الرياض.. الطين والحديد يتكلمان لغتهما الخاصة في “بنان”

الرياض 04 جمادى الآخرة 1447 هـ الموافق 25 نوفمبر 2025 م واس
في الزاوية المخصّصة للمكسيك داخل الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية “بنان” بدا أن المسافة بين الرياض وولايات الجنوب والغرب المكسيكي تقلّصت إلى مجرد خيط من الطين واللون والحرفية الصبورة. هناك وقفت آيدا أكوينو بويو من ولاية أواخاكا، وبجوارها سيسيليا كوريس موراليس من ميتشواكان، وكل واحدة منهما تحمل تاريخ منطقة كاملة بين أناملها، كأنهما سفيرتان غير رسميتين لبلد يأتي من وراء المحيط, وما كان لهذا اللقاء الثقافي الواسع أن يتحقق لولا التنظيم المحكم الذي قدّمته هيئة التراث، التي نجحت في تحويل “بنان” إلى مساحة تتقاطع فيها التجارب العالمية بأسلوب سلس وحيّ، بحيث يشعر كل حرفي أن له مكانًا يليق بعمله وقصته.
وكانت آيدا تتعامل مع الطين كما لو أنها تُعيد تشكيل ذاكرة جماعية ورثتها جيلًا بعد جيل, لم يكن عملها مجرد زخارف أو أشكال تجميلية، بل سردية كاملة تُحكى باليد وتشرح كيف تبدأ القطعة من كتلة بسيطة، وتُعالج وتُشكّل وتُترك لتجف، قبل أن تُلوَن وتُصقل وتدخل الفرن لتحصل على صلابتها النهائية.
التفاصيل الدقيقة في أعمالها تعود إلى المدارس الحرفية العريقة في أواخاكا، التي اشتهرت بالقدرة على تحويل المواد البسيطة إلى قطع تمثل جانبًا من إرث المكان.
وقالت:” إنها جاءت إلى المملكة وفي قلبها رغبة واحدة أن يعرف الزوار كيف تصنع المجتمعات البعيدة جمالها الخاص، وكيف تُترجم هويتها إلى مادة يمكن لمسها, وتُضيف بابتسامة أن وجودها هنا لم يكن متوقعًا، وأن الدعوة تحمل معنى كبيرًا بالنسبة لامرأة قضت حياتها وسط الطين والفرن والألوان”.
وعلى الطرف الآخر من الجناح، كانت سيسيليا كوريس موراليس تحكي حكاية مختلفة، لكنها لا تقل عمقًا, إذ تعمل سيسيليا منذ أربعة وثلاثين عامًا في حرفة تعتمد على الحديد الملوّن والشرائح المتراكبة وتبدأ عملها كما لو أنها ترسم على ورقة، لكنها في الحقيقة تقصّ وتشرّح وتشكّل شرائح حديدية دقيقة، تُنحت الواحدة منها على حدة ثم تُلوَّن وتُركَّب ضمن طبقات متداخلة تعطي الشكل النهائي بعد تجميع يستغرق أيامًا.
وأشارت سيسيليا إلى قطعة صغيرة تتكون من خمس طبقات، كل طبقة منها مرت بمرحلة منفصلة من التشكيل والنحت والتلوين، قبل أن تدخل الفرن ثم تُعاد معالجتها مرارًا وتكرارًا حتى تصل إلى صلابتها النهائية, موضحة أن زوجها يمارس الحرفة نفسها منذ خمسين عامًا، وأنهما معًا يمثلان مدرسة ميتشواكان التقليدية في التحف والمجوهرات المصغّرة.
وبينما تنهمك الاثنتان في شرح تفاصيل حرفتهما، يبدو واضحًا أن “بنان” لا يعمل فقط على جمع الحرفيين، بل يمنحهم منصة يشعرون فيها بأن عملهم جزء من حوار عالمي حيّ,وهذا هو ما تسعى إليه هيئة التراث من خلال الفعالية: خلق مساحة لا تُعرض فيها الحِرَف فحسب، بل تتقاطع فيها القصص الإنسانية والخلفيات الثقافية والتاريخ المشترك الذي تتشاركه المجتمعات مهما اختلفت لغاتها وجغرافياتها.
وفي أرجاء المعرض، يظهر هذا الجهد في كل تفصيلة صغيرة؛ من طريقة توزيع الأجنحة إلى العروض الحية التي تتيح للزائر رؤية القطعة وهي تُصنع أمامه، إلى المساحات التفاعلية التي تفتح باب التجربة حتى للأطفال.
وتتفق آيدا وسيسيليا على أن الوصول إلى المملكة للمشاركة في “بَنان” ليس حدثًا عابرًا, وقالت سيسيليا: “إنها جاءت من مكان بعيد جدًا، وإن مجرد الدعوة يحمل قيمة معنوية كبيرة، لأنها ليست فقط فرصة لتقديم أعمالهما، بل لتمثيل مجتمعاتهما الصغيرة على منصة دولية واسعة”.
وتشير آيدا إلى أن الوقوف وسط هذا التنوع الكبير يمنحها إحساسًا بالفخر لأنها قادرة على إيصال جزء من ثقافة أواخاكا إلى زوار لا يعرفون عنها سوى القليل, وفي النهاية تبدو أعمالهما كأنها جسر صغير بين قارّتين، تلتقي بهما الذاكرة المكسيكية مع فضول الجمهور السعودي، تحت مظلة فعالية صنعتها هيئة التراث بدقة تسمح لكل ثقافة بأن تتنفس بكامل جمالها.
// انتهى //
21:07 ت مـ
0217