سونا تحاور وزير الصحة حول راهن ومستقبل النظام الصحي بالسودان

بورتسودان 18-11-2023 (سونا) اجرت وكالة السودان للأنباء حوارا مع السيد/ وزير الصحة الإتحادي الدكتور هيثم محمد إبراهيم تناول راهن ومستقبل النظام الصحي في السودان وقدرته على تجاوز الصدمة؟ –  حوار: إبراهيم موسى / عماد الدين الأمين.

 

س: السيد الوزير بداية حدثنا عن حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع الصحي في السودان بسبب الحرب فيما يلى- المستشفيات والكوادر و الأدوية والمخزون الدوائي الذى تم تهبه، والمستلزمات الطبية؟.

ج: الصحة من أكثر المؤسسات التي تضررت نتيجة تمرد مليشيا الدعم السريع في شهر أبريل الماضي، تمثل ذلك في تدمير عدد من المرافق الصحية واستهداف الإمداد الطبي والكوادر الطبية في المؤسسات الصحية، حيث تضرر عدد كبير من المؤسسات الصحية بولاية الخرطوم تجاوزت ١٠٠ مستشفى، معظمها مستشفيات  رئيسية ومستشفيات مرجعية في تخصصات الأورام والقلب والجراحات المتخصصة كلها أصبحت خارج الخدمة، بالإضافة إلى المقر الرئيسي للامدادات الطبية بالخرطوم الذي تقدر خسارته من الأجهزة والمعدات والأدوية وهى تمثل  مخزون استراتيجي لعام كامل من الادوية  الخاصة بـ الملاريا والدرن ومعدات متخصصة تجاوزت تكلفتها ٥٠٠ مليون دولار.
كما أن الدمار طال المستشفيات الرئيسية في ولايات غرب وجنوب ووسط دارفور وبعض المؤسسات الصحية في ولايات كردفان؛ فمعظم المؤسسات الصحية في وسط وجنوب وغرب دارفور تكاد تكون خارج الخدمة العلاجية والتشخيصية والأدوية والمعدات وفقدان كل المخزون الدوائي الموجود في هذه الولايات بسبب النهب أو الاتلاف، ايضا الفرع الرئيسي للصندوق القومي للخدمات الطبية بولاية جنوب دارفور من أوائل المؤسسات الصحية التي تم نهبها مبكرا. 
وكذلك سلاسل الإمداد المعنية بتحصين الأطفال وسلاسل التبريد في الولايات المختلفة ومتحركات الأدوية الطبية أكثر من ١٧٠ شاحنة مبردة وعربة  تم نهبها وتم الإبلاغ عنها، والأصعب من ذلك فقدان الكوادر الصحية، فقد تم الاعتداء على اكثر من ٤٠ كادر صحي في المؤسسات الصحية حيث تم الاعتداء عليهم أما في العمل او اثناء العمل المتنقل في الولايات او في سيارات الاسعاف. عموما التدمير طال الإمداد والكوادر والمؤسسات الصحية. 

س: ما هو تقييمكم  للوضع الراهن للخدمات الصحية بالبلاد، وما حجم  التدخلات التي تمت وفق الخطة العاجلة التي وضعتها وزارة الصحة الاتحادية في شهر أغسطس الماضي؟.

ج:  يشكر لوزارة الصحة والكوادر الصحية سواء العاملين على المستوى الاتحادي أو الولائي، فالأطباء والكوادر الصحية العاملين على مستوى المؤسسات الصحية لم يتوقفوا، واستمروا فى أعمالهم وكانوا يعملون أثناء الحرب في يومي ١٥ و١٦ أبريل، حيث قاموا بإخلاء المستشفيات وإعادة توزيع الكوادر ومحاولة توصيل الدعم والامداد.
كما أن المدراء العامين ومسئولي الطواريء اجتمعوا في ثاني يوم للحرب واصدروا أول تقرير صحي تم بموجبه وتم استنادا عليه دعوة المجتمع الدولي للتدخل المطلوب عبر الإمدادات الطبية وقد صدر أول تقرير في اليوم الثاني مباشرة، حدد أول حوجه خاصة بالامدادات العاجل لأكياس الدم ودعم المدخلات الجراحية والأدوية المنقذة للحياة بعد ثلاثة أيام.
وقد بدأت التدخلات مباشرة بالرغم من الضغوط فى ولاية الخرطوم وحاولنا في البداية استغلال ماهو موجود من المؤسسات الصحية رغم المعاناة الكبيرة، فالتحية والتقدير والاحترام للجيش الأبيض.
وقد كانت الكوادر والمؤسسات تعمل خلال الثلاثة أشهر الأولى رغم تضرر أسرهم وعدم وجود مرتبات وقد ساهموا بقدر كبير جدا في تثبيت الصحة في البلاد وتثبيت نظام السودان ككل. حيث استمرت هذه الكوادر في العمل جنبا الى جنب مع الجيش. فالتدخل الأساسي في الفترة الأولى كان خاص بالإمداد الدوائي وكان الوضع يحتاج لزيادة جلب أدوية وكانت الوفرة الدوائية لا تتجاوز الـ ٥٠% وكانت هناك ترتيبات لكن ما يحمد للإمدادات الطبية بأنها كانت تمتلك فروع في الولايات وتمتلك مخزون دوائي لمدة ٣ أشهر وكانت الاولوية هى  توفير إمداد دوائي عاجل خاصة أدوية الكلى والغسلات والأدوية المنقذة للحياة وأكياس الدم.. حيث تم توفير هذه الاحتياجات في الفترة الأولى بقدر كبير. 
وقمنا بعمل نداء موجه حتى تأتينا الاحتياجات المطلوبة وهو ماتم من المانحين بصورة إيجابية فقد وصلت أكياس الدم والمدخلات الجراحية للعمليات الطارئة وأدوية زراعة الكلى من المانحين والداعمين من دول الإقليم والمنظمات الدولية نشكركم  جميعا على ذلك.
وخلال الفترة الأخيرة فقد استفاقت معظم أنظمة الدولة من الصدمة الأولى بما في ذلك الانظمة المالية وكان لها إسهام كبير جدا في توفير الأدوية والمستهلكات الطبية في الفترة الأخيرة.  وقد وفرت وزارة المالية مطالبات كبيرة من غسلات الكلى بقيمة تتجاوز ٥٠ مليون دولار لمدة ٤ أشهر. 
كما أن أدوية السرطان كانت قاطعة وتم توفيرها لعدد ١٨ ألف مريض كانوا يعانون وايضا وصلت أدوية سرطان الكلى بقيمة تجاوزت ٤,٥ مليون دولار. وقد اجتهدت وزارة المالية وتم توقيع عقود شراء معدات لمكافحة الأمراض بقيمة تجاوزت ٢,٥ مليار، مما يؤكد اننا نمضي في الإتجاه الصحيح. 
اما فيما يتصل بمحور تقوية المستشفيات والمراكز الصحية التي تحملت عبء كبير عقب خروج المواطنين من الخرطوم، فبعد زيارتنا للولايات حاولنا دعم النظام الصحي هناك وتقويته وتحريك الأدوية الموجودة وتوفير المستلزمات والمستهلكات للاستفادة القصوى من الإستشاريين الموجودين بالولايات والذين ساهموا بقدر كبير في رفع مستوى الخدمة العلاجية بالولايات وهى واحدة من أهم مرتكزات بناء النظام الصحي، حيث تم إجراء عمليات جراحة متقدمة  للعظام في البحر الأحمر وعمليات قلب مفتوح  بالجزيرة. 
فرغم الصعوبات والازمات الكبيرة الا ان النظام الصحي في السودان أثبت أنه نظام يتمتع بقدر عال من المرونة واستوعب الصدمة خلال الفترة الماضية. 

 

س: ما هي  خطة الوزارة لاعادة الأوضاع إلى طبيعتها؟.
ج: نعمل على اعادة الوضع الصحي لأفضل مما كان في السابق وقد عملنا خلال الفترة الماضية على خطة الاستجابة السريعة مع كل الإدارات والمنظمات الدولية وتنتهي الخطة فى ٣١ ديسمبر الجاري.
وكانت وزارة الصحة الإتحادية مسؤولة عن  قيادة العمل الصحي في البلاد وتوحيد الرؤية وعدم ترك الأمر لكل جهة تعمل لوحدها وبالتالي تم تحديد الأولويات وتركزت التدخلات العاجلة على ذلك وبالتالي نجحنا في ذلك لحد كبير. كما أن الجهات الداعمة التزمت بالقوائم التى ترسل لها كل فترة بالاحتياجات المحددة وحاولنا وفق ذلك تحديد الموارد المحدودة. 
عموما فقد تمحورت الخطة في الإمداد وتثبيت خدمة المستشفيات فى الولايات ومكافحة الأوبئة وخدمة برامج صحة الامومة والطفولة والتحصين والصحة الانجابية وتوفير الامصال وتوزيعها وقد قطعنا شوط كبير وبدأنا التفكير في تحديد الأولوياتا للمرحلة المقبلة من خلال البحث في توجيه الموارد واستقطاب أكبر كمية من الدعم الخارجي وكلنا مجموعة عمل للتخطيط الاستراتيجي للمرحلة المقبلة ونحن نعمل لتحقيق هدف كبير وهو عدالة توزيع وتوفير الخدمات الصحية لإنسان السودان في كل الولايات والأقاليم. وقد بدأنا نقاشات في كيفية تحقيق هذا الهدف واغلب التوقعات المختلفة فإن الحرب ستتوقف وتبدأ البلد مرحلة إعادة النمو والإعمار. 
أما استراتيجية الصحة لاستعادة وبناء النظام الصحي في المرحلة المقبلة ٢٠٢٣-٢٠٢٥م  تنطلق من هدف أساسي يقوم على عدالة توزيع الخدمات الصحية لكل السودان من خلال ثلاث فترات الأولى تتمثل في توفير الأجهزة والمعدات وتقوية النظام الصحي بينما تشمل المرحلة الثانية تقوية النظام الصحي اللامركزي في صورته الولائية والاقليمية غض النظر عن النظام السياسي.
أما المرحلة الثالثة تشمل بناء مشاريع صحية استراتيجية في السودان للمرحلة المقبلة  وبدأنا في إعداد بعض المشاريع الأساسية الكبيرة، ونعمل على إدخال أنظمة الطاقة الشمسية في المستشفيات، وبناء مدن طبية ومستشفيات مرجعية، وزيادة القدرة الاستيعابية للأجهزة التشخيصية والرنين المغناطيسي فى أقاليم السودان المختلفة، حيث تمت اعادة تخريط البلاد بصورة مختلفة وأولويات توفير الخدمات الصحية كما تم التركيز على الشركاء المحليين غير التقليديين واستيعاب المجتمع المدني والداعمين من  الوطنيين واستيعاب دور أبناء المناطق ضمن الخطة الاستراتيجية بما يمثل التكامل المجتمعي وقيادته بما يخدم الصحة بصورة كبيرة. 
وقد حددنا مشاريع طوارئ وسيكون هناك مراكز للاستشعار المبكر لإدارة الطوارئ في البلاد ومستشفيات ومراكز طبية وبرنامج للإسعاف الموحد لكل السودان مجهز "بكول سنتر"، وقد شرعنا في توزيع عدد من الاسعافات خلال الفترة الماضية  وسيكون نظام الإسعاف الموحد مركزي وبرقم هاتف موحد لخدمة كل السودان في وقت واحد.
نحن الآن في مرحلة الاجتماعات للخطة ولدينا خبراء من خارج وزارة الصحة لان شعارنا "الصحة للجميع وبالجميع" و"الصحة في كل الأنظمة والسياسات" من خلال قيادة كلية نسعى من خلالها استصحاب القطاع الخاص وله دور كبير في توفير الأدوية بنسبة ٤٠ – ٦٠% من التصنيع والاستيراد. وقد تأثر هذا القطاع بالحرب بشكل كبير وان ٢٦ مصنعا دوائي في الخرطوم تم تدميرها.
نحتاج لإعادة بناء هذه المصانع في الولايات المختلفة وهناك حاجة لتسهيلات من الولايات تتصل بمنح أراضي مجانية وتسهيل إجراءات التصنيع. 
كما أنه تم فتح علاقات مع كل من مصر والسعودية من أجل التصنيع التشاركي للاستفادة من الخبرات الموجودة فقد حدد المجلس القومي للأدوية والسموم إجراءات مسألة الاستيراد لإنعاش السوق الدوائي في السودان،  وتم عقد عدة اجتماعات مع المستوردين وارتفعت نسبة إستيراد الأدوية من ٢ مليون دولار الى ١٧ مليون دولار  في الشهر الواحد ويتم توفير أدوية السكري وضغط الدم والمضادات الحيوية عبر الشركات والمصانع  وفق أولويات الدولة. 

س: ماذا عن دور التأمين الصحي؟.
ج: هناك إتجاه قوي لاستعادة خدمة التأمين الصحي وبدأنا ترتيبات لعودة المستشفيات وتمت الاستفادة من أكثر من ١٣٠ مستشفى وأكثر من ٦٠٠ وحدة للخدمة.

 س:  كيف تنظرون لمسالة ترتيب ووضع الأولويات الصحية والمشاريع الصحية لإستعادة بناء النظام الصحي وتقويته فى صورة لا مركزية في الفترة المقبلة خاصة توفير الخدمات الصحية العاجلة للمواطنين؟.

ج:  الاستراتيجية تقوم على تطبيق نظام صحي لا مركزي قائم على توفير الخدمات الطبية وتوزيعها وتوزيع الكوادر واستيعاب المجتمع المدني والمجتمع المحلي ودور القطاع الخاص والوزارات. 

 

س: هل تم تحديد موعد لمناقشة الخطة الاستراتيجية واقرارها؟.

ج:  نرتب لملتقى جامع بعد أن اتضحت الرؤيا وسيكون في نهاية العام الجاري بمشاركة القطاع الخاص والقطاع العام والآخرين. 

 

س:  عدد المستشفيات في السودان؟
ج:  لدينا ٧٠٠ مستشفى في السودان بين مرجعي وولائي ومحلي أو ريفي، منها ١٥٥ مستشفى بالخرطوم قوتها الاستيعابية كبيرة معظمها مرجعية ودورها كبير جدا، فقدنا  أكثر من ١٠٠ مستشفى من خاص وعام ومرجعي تعويضها صعب رغم المحاولات وستكون المعالجات بإنشاء مستشفيات مرجعية في الولايات فقد فقدنا المستشفيات المرجعية في غرب وجنوب دارفور بعضها خرج من الخدمة والبعض الآخر اتخذ مقر للعمليات أو ثكنات والبعض تم تدميرها.ن حن نعمل على إنشاء بدائل في الخدمات الجراحية والعظام تغطي معظم المناطق لدينا ترتيبات لإنشاء مركز للأورام في شرق السودان لعلاج ١٨ ألف مريض. 
" لقد تم الإتفاق مع مبادرة لرجال الأعمال والمجتمع المدني بالقضارف لإنشاء "مركز الشرق للأورام" وهو من المشروعات البديلة، فوزارة الصحة تسعى لفك الاختناق وإنشاء مقرات ومستشفيات مرجعية بالولايات حيث تم الترتيب وتقديم طلبات لأجهزة واشعة علاجية.

 

س:  حجم التنسيق مع الشركاء الدوليين منظمة الصحة العالمية والجهات الدولية الأخرى المعنية بأمر الصحة لتوفير الخدمات ومعالجة الاضرار؟.

ج: في بداية الحرب جمعنا المنظمات و وجهناها بماذا نريد فقد كان في البداية هناك إحساس بعدم وجود حكومة في السودان، لكن الصحة كانت موجودة ودعونا لاجتماع مع مدراء المكاتب الإقليمين حيث ساهم هذا  الاجتماع في توفير الرؤية فقد كان للشركاء دور ومدراء المكاتب لهم دور معلوم وكان يمكن أن يكون دورهم أكبر من ذلك.
كما ان معدل الإمداد الدوائي وصل الى ٤٨ مليون دولار معظمها من  الصحة العالمية واليونسيف فقد  كانت الفجوة كبيرة حوالى ٤٠-٥٠ مليون دولار، يتم ٤٠% منها من الدولة عن طريق الإمدادات الطبية واستعدنا الانظمة ومخازن بديلة في عطبرة ومدني وبورتسودان وربك. 
الآن لدينا تواصل مع الشركاء ومنظمة الصحة العالمية هى أكبر داعم للسودان واليونسيف  بالتالي عن طريق الدعم العالمي وفرنا أودية الملاريا والدرن للعام المقبل بمبلغ ١٥ مليون دولار.

 

س:  كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن ان النظام الصحي في السودان مرشح للانهيار ما ردكم؟.

ج:   انهيار النظام الصحي في منطقة  لايعني انهياره في كل السودان ونحن نوفر كل المعلومات وصفحة وزارة الصحة هي المصدر الأساسي لكل المعلومات. وعلى الرغم من الهشاشة العالية للنظام الصحي في بعض المناطق إلا أن وزارة الصحة، تقوم بعملها في ٩ ولايات ليس بها هشاشة أمنية.
نحن الآن في وضع أفضل  والسودان قادر على استعادة النظام الصحي. 

 

س: رسائل توجهها:

ج: نسأل الله الأمن والسلام يعقبه النماء وإعادة البناء. وعلى المستوى الدولي والإقليمي نحتاج مقدرات لاعادة بناء أنظمة النظام الصحي بعد الحرب ونحتاج الدخول في شراكات إقليمية ودولية، لاستعادة منظومة السودان وأنظمة الصحة بصورة تخدم كل الأطراف " الدولة والمجتمع والصحة".
فقد آن الأوان لبناء أنظمة لا مركزية في مجال خدمات الصحة والتعليم لان المركزية أثرت كثيرا في هذه الانظمة. نستطيع القول، إن تحقيق العدالة مربوط بتوزيع الخدمات وتقوية انظمة صحة لامركزية حيث يحتاج وجود المستشفي وجود جامعة مثلآ.
ايضا رسالة للكوادر الطبية نعتذر لهم ونفتخر ونعتز  بهم. ومن خلال تبادل المنافع نستطيع تقوية التكامل المجتمعي والإقليمي المستند على قوة الدولة والمال والكوادر المدربة فالمواطن تحمل الكثير وهو امل الخير بأن يكون له دور إيجابي في ممارساته وحياته اليومية.