
الجزائر في 10 مارس /العُمانية/ يحاول د. عامر شارف، في كتابه “شعرية الأنثى” الصادر عن دار ساجد للنشر/ 2025/، الاقتراب من التجارب الشّعرية للعديد من الشّاعرات العربيّات، والإمساك بخصوصيات تلك التجارب الشعريّة المؤنّثة.ومن أبرز الشّاعرات اللّواتي تناولهنّ الكتاب كريمة السعدي (العراق)، ورنا رضوان (سوريا)، وسهير صالحاني (لبنان)، وغالية أبو ستة (فلسطين)، وهيام ضمرة (الأردن)، والدكتوره شيخة المطيري (الكويت)، وحمدة خميس أحمد (البحرين)، ولولوة الخاطر (قطر)، والهنوف محمّد (الإمارات العربية المتحدة)، وفهيمة الحسن (المملكة العربية السعودية)، وفاطمة العشبي (اليمن)، ووجيهة السطل (مصر)، وإيمان آدم (السودان)، ومبروكة محمد بن قارح (ليبيا)، ومي غول (الجزائر)، ولمياء العلوي (تونس)، ونبيلة حماني (المغرب)، ومُباركة بنت البراء (موريتانيا).وفي حديث، لوكالة الأنباء العُمانية، يؤكّد الدكتور عامر شارف، بأنّ هذه الدراسة تناولت 37 شاعرة عربيّة معاصرة، من مختلف الأقطار العربيّة، باستثناء أسماء شاعرات من بعض الأقطار العربيّة اللّواتي لم يتمكّن من الوصول إليهنّ.ويُشير بالقول: “إنّ الأدب، وبخاصّة الشّعر، كان له دورٌ أساسيٌّ في تشكيل الهوية الأدبيّة للكاتبات والشاعرات العربيّات، سواء في المشرق أو المغرب العربي. فقد تأثّرت العديد من الكاتبات بالإرث الأدبي الغني للشعر العربي، بما في ذلك شعراء من عصور الجاهلية إلى عصر الحداثة، ما أسهم في صقل أساليبهنّ اللّغوية وشكّل أفكارهنّ”.ويضيف بالقول: “يتجلّى تأثير الأدب المشرقي والمغاربي في أعمال الكاتبات العربيّات المعاصرات، حيث تجتمع في نصوصهنّ روح الأنوثة، وتتناغم فيها ثقافات مختلفة عبر استخداماتهنّ للرموز، مثل الورد، والقمر، والبحر، التي تعبّر عن مشاعر داخلية معقّدة كالحب، والحنين، والبحث عن الذات. وقد أثّرت مدرسة الرومانسية العربية ــــ على ما يبدوــــ على الأسلوب الأدبي للكاتبات بشكل خاصّ، إذ وجدنا في تعابيرهنّ الرقيقة وانشغالاتهنّ الذاتية والوجدانية مرآة تعكس أصواتهنّ الداخلية التي تمثّلها الطبيعة خارجيًّا”.ويُشير المؤلّف إلى أنّ “البوح الأنثوي في الشعر النسوي يتميّز بصراحة التعبير في بعض المواضيع، ويخبو في مرَّات كثيرة، وبخاصة في الوجدانيات، لكنهنّ يقتربن من أنوثة اللّغة، وينشرن عواطفهنّ، حيث أظهرت الشواعر في الأدب قوَّة وجرأة، ولكن بأسلوب شاعري متميّز بالرقّة، وخالٍ من العنف تقريبًا، خاصّة في بعض المواضيع التي تمتزج فيها الرقّة بالتمرُّد، والبوح بالتستّر، والهدوء بالهيجان، ومن خلال التناصّ مع الأدب العربي الكلاسيكي، تمكّنت الشواعر العربيّات المعاصرات من إضفاء عمق ثقافيّ على نصوصهنّ، مستخدمات عناصر التراث العربي لتقديم الديني والأدبي والفلسفي، ناسجة رؤى جديدة تتناول قضاياهنّ وتجاربهنّ، مثلما يتجلّى في قصائد من قدمتهنّ في هذه الدراسة”.ويرى هذا الباحث أنّ الشعرية الأنثوية في الأدب العربي لم تكن مجرّد انعكاسات للتجارب الشخصيّة، بل هي دعوة للقارئ ليغوص في عوالم عميقة، مميّزة عاطفية ومعنوية، تختلف عن تعابير الذكر، حيث يتمُّ بناء لغة عميقة مليئة بالرموز الخاصّة بالأنثى والمعبّرة عن ذاتها قد يجهلها الرجل، ومعبّرة عن حالات يجهلها الرجل كالمخاض والرضاعة وغيرها، فالشعرية عند الشواعر العربيّات المعاصرات تكتسي ثوبًا حديثًا، وتفتح مجالات واسعة للتأويل، لأنّها نصوصٌ مفتوحة. وهذا البوح الأنثوي، بحسب ما يذهب إليه الباحث، يجعل القارئ يتفاعل مع النصّ بعمق عاطفي وفكري، حيث يشعر أنّه يلمس عمق مشاعر وتجارب إنسانية لا تعكس تجاربه، بل تعكس تجاربهنّ كنساء في مجتمعهنّ، وبهذا يُحقّق الأدب الأنثوي رسالته في التعبير عن الذات والوجدان بطريقة أدبيّة مبتكرة، لم يستطع الرجل الوصول إليها.ويذهب الدكتور عامر شارف إلى أنّ البوح الأنثوي يُعبّر عن تجربة خاصّة بالأنثى، رسالة للذكر والأنثى وتفضح المشاعر الشخصية للمبدعة في كثير من الأحيان، فإذا كانت هناك شاعرة أكثرت في قصيدتها الاستعارات والرموز والأضداد المرتبطة كالنور والظلام /الحرب والسلم/ الحب والهجر/ الظلم والعدل..، يمكن القول إنّ هذه الشاعرة تُعبّر عن الصّراع الداخلي، والتنوير الروحي باستخدام هذه الصُّور الفنية.وفي هذا الشأن، يؤكّد الباحث بالقول: “غالباً ما تكون التجربة الشّعرية للأنثى مليئة بالأحاسيس الصادقة والدقيقة، معبّرة عن ذاتها بعمق، ومثال ذلك قد نحسّ في شعر أحلام مستغانمي، وشعر غادة السمان، وسميرة زغدودي بوحًا أنثويًّا يتناول مشاعر الحنين والحب والغربة والعزلة، بلغة شاعرية وبسيطة، يستمتع بها الرجل أكثر من الأنثى، ولكن كيف أستلُّ هذه الشِّعريَّة من النُّصوص، وقد أبدو محقًّا أن الشّعر والشعرية، والشاعرية، وعلم الشّعر هي جملة القوانين والخصائص للخطاب الشعري، كما يرى جون كوهن أنّ (الشعرية موضوع من مواضيع علم الشعر، ركّزت على اللُّغة العليا، وعلم الانزياحات، وركّزت على الشعرية في الشّعر لا النثر)، ولهذا يرى جاكبسون أنّ (الشعر متغيّر مع الزمن، والوظيفة الشعرية من أهمّ الوظائف وأرقاها، واهتمّت الشعرية بنقاط معينّة مثل: القافية /السجع/ الصورة)، وأنا أحاول القبض على هذه الشّعرية أدرك جيّدًا أنّ (الشعرية مصطلح متذبذب)، كما وصفها الأستاذ يوسف وغليسي، لكن حاول بعض الدارسين أن يبني لها قلعة من خلال ما أنجزوه في دراساتهم، وهو ما يحقّق أنّ الشعرية (بلاغة في ثوب جديد)، كما ذكر جيرار جينيت”.يُشار إلى أنّ الشاعر، د. عامر شارف، مؤلّف هذا الكتاب، وُلد عام 1961 ببلدية الفيض بولاية بسكرة (جنوب الجزائر)، حاصلٌ على دكتوراه في الأدب العربي من جامعة بسكرة، وسبق له أن نشر العديد من الدواوين الشّعرية، أبرزُها “آيات السحر” (دار علي بن زيد للنشر/ 2023)، و “عبق الطين” (2024)، و “الكفُّ والحجر” (2025)./العُمانية/ النشرة الثقافية / طلال المعمري