معرض “الأرواح” لندى عطاري.. العلاقة بين الفن والذات

عمّان في 20 أكتوبر/العُمانية/ تكشف أعمال التشكيلية الأردنية ندى عطاري في
معرضها “الأرواح” عن ممارساتها الفنية القائمة على تعدد الوسائط؛ حيث
طبقات من التشكيلات التي تنهل من الذكريات وتلامس العاطفة بلغة تجريدية مستوحاة من
ألوان الحياة اليومية، وبهذه الرؤية فإن المعرض المقام على جاليري جودار في عمّان،
يحمل تجربة بصرية ونفسية متكاملة، ويبرهن على عمق الخطاب التشكيلي وقدرته على
الابتكار والتجدد.

ويضم المعرض أعمالاً لا تقدم إجابات بقدر ما تثير الأسئلة حول طبيعة
العلاقة بين الفن والذات، اللون والذاكرة، المادة الخام وروحها المتحوّلة على سطح
اللوحة، ولا غرابة في ذلك؛ فقد جرى التحضير لهذا المعرض لمدة عامين، وهو زمنٌ كافٍ
كي تخرج الأعمال إلى الجمهور مشحونة بالأدوات التعبيرية والرؤى الفنية التي تؤكد
التزام الفنانة بتقديم فن يمكن أن يحدث حالة من التأمل؛ خاصة أن المتلقي يشعر كما
لو أن كل لوحة هي نتيجة مخاضات فنية طويلة، وثمة اشتغال على تشريع النوافذ أمام
السؤال: ترى ما هي تلك الطبقات المخفيّة خلف الخطوط والصور الغائرة والألوان
المتراكبة؟!

ومن هنا، يبدو أن اختيار “الأرواح” عنواناً للمعرض يهدف إلى منحه
شحنة رمزية مكثّفة، إذ يشير العنوان إلى تلك الطبقة الخفيّة التي لا تُرى بالعين
وحدها، لكنها تُحَسّ وتُعاش.. وهكذا لا يجد المشاهد محاكاة مباشرة للطبيعة أو
للإنسان بقدر ما يعثر على تجسيد لتجربة شعورية بالدرجة الأولى.

وبحسب عطاري، فإن أعمالها في هذا المعرض “ليست شيئاً ميتافيزيقياً
بعيد المنال، بل هي أقرب ما تكون إلى طبقة لونية متداخلة، أو أثر بصري يترسب على
القماش، فيكشف ما لا نستطيع التعبير عنه بالكلمات”.

ونفّذت الفنانة التشكيلية الأعمال عبر مزيج من الوسائط الفنية، مثل
الأكريليك والأحبار والكولاج، والمواد الخام، لتُشكّل خلفيات معقدة تبدو وكأنها
جغرافيا داخلية، ولم تكن هذه الخلفيات مجرد فعل جمالي أو ديكور أو قاعدة تأسيسية
للعمل، بل هي بحد ذاتها جزء من البنية التعبيرية؛ فكل طبقة تضيف معنى، وكل خدش أو
شَطب أو لون يتجاور مع آخر أو يذوب فيه يُمثل بُعداً من أبعاد التجربة الروحانية،
فالتقنيات التي اتبعتها الفنانة جاءت لتعبّر عن ديناميكية الروح وتحولاتها وعدم
ثباتها عوضاً عن الاتجاه نحو فعل الإبهار البصري والاكتفاء به.

وتتسم معظم أعمال عطاري بالألوان الزاهية والحيوية النابضة بالحياة؛
كالأحمر الغامق، والأزرق النيلي، والأصفر الذهبي، مع مزيج من الدرجات الترابية
التي توازن بين التوتر والسكون، وقد تعاملت الفنانة مع ألوانها بطريقة تمنح هذه
الأعمال بُعداً ثالثاً، مطالبةً الجمهور بالانغماس الحسي في التجربة وعدم الاكتفاء
بالتأمل من بعيد.

وهذا ما دفعها -رغم اعتمادها التجريد- إلى منح الأعمال حسًّا سرديًّا
ضمنيًّا يتسلل من بين ألوانها وخطوطها وظلال تشكيلاتها، فتبدو كل لوحة كأنما رُسمت
لتحكي قصة غير مكتملة، وتترك للمتلقي حرية إعادة بناء الحكاية وفقاً لتجربته
الخاصة. وفي بعض اللوحات استدعت الفنانة وجوهاً بشرية باهتة أو ملامح طيفية تكاد
تختفي، فيما توحي لوحات أخرى بمسارات طبيعية؛ كالأرض، والسماء، والماء.

/العُمانية/ النشرة الثقافية/

شيخة الشحية