القمة الخليجية.. دور دولة قطر في مجلس التعاون الخليجي.. نهج مؤثر وقمم فاعلة

الدوحة في 04 ديسمبر /قنا/ أكملت دولة قطر استعداداتها لاستضافة الدورة الرابعة والأربعين للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المقررة غدا الثلاثاء.

ويتقدم حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى مستقبلي إخوانه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لدى وصولهم البلاد يوم غد الثلاثاء للمشاركة في هذه الدورة.

وتنعقد الدورة الرابعة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في ظروف استثنائية على المستويين الإقليمي والدولي؛ وينتظر أن تتناول أبرز الملفات الملحة إقليميا ودوليا، وفي مقدمتها العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، إضافة إلى ملفات أخرى اقتصادية وسياسية وأمنية، فضلا عن الموضوع الأبرز وهو تعزيز العلاقات بين دول مجلس التعاون وزيادة التنسيق بينها، وبلورة رؤية خليجية موحدة تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية.

ويتوقع مراقبون أن تعطي هذه الدورة دفعة قوية وانطلاقة متجددة لمسيرة عمل مجلس التعاون الخليجي؛ وذلك انطلاقا من حرص دولة قطر ونهجها الثابت في دعم مسيرة المجلس والحفاظ على وحدة وتماسك البيت الخليجي، كونه منظومة قوية ومتكاملة لا غنى عنها، في مواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة.

ومنذ تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981، عقدت 43 قمة، حيث درجت العادة على عقد قمتين سنويتين للمجلس إحداهما استشارية منتصف السنة، والأخرى تتخذ فيها القرارات وتعقد في نهاية السنة، كان من بينها ست قمم استضافتها الدوحة، وحفلت كل منها بقرارات ومخرجات سياسية واقتصادية مؤثرة، ومواقف فاعلة كان لها أثر مهم على تمتين مسيرة مجلس التعاون ووحدة قراراته وتطوير أدائه.

وكانت أول قمة خليجية استضافتها الدوحة يوم 7 نوفمبر 1983، وهي القمة الرابعة للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث أعلن المجلس الوقوف صفا واحدا خلف منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، معبرا عن قناعته بأن السلام لن يتحقق في منطقة الشرق الأوسط إلا بتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه الوطنية الثابتة بما في ذلك حقه في العودة وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، كما أيدت القمة وقتها لبنان في مساعيه لوحدة وسلامة أراضيه.

كما شددت قمة الدوحة على ضرورة اعتماد دول المجلس على نفسها في حماية أمنها والحفاظ على استقرارها، وقرر القادة وقتها توسيع دائرة النشاطات الاقتصادية التي يسمح لمواطني دولة عضو بممارستها في الدول الأعضاء الأخرى وذلك اعتبارا من الأول من مارس عام 1984.

وفي الثاني والعشرين من ديسمبر عام 1990 استضافت الدوحة القمة الحادية عشرة والتي عرفت بقمة “التضامن مع الكويت”، حيث أعلن المجلس وقوف الدول الأعضاء مع دولة الكويت في محنتها ومساندتها المطلقة وتضامنها التام مع شعبها وحكومتها. وأشاد المجلس الأعلى بشعب الكويت المتمسك بحكومته الشرعية.

وقررت قمة الدوحة 1990 تكليف لجنة من وزراء الخارجية في الدول الأعضاء للقيام بجولات جماعية إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وبعض الدول العربية وغيرها من الدول ذات الأهمية لتعزيز الجهود السياسية والدبلوماسية الهادفة إلى وحدة الإجماع العربي والدولي لضمان تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.

وفي الجانب الاقتصادي، كلف المجلس الأعلى لجنة التعاون المالي والاقتصادي بوضع برنامج لاستكمال إنشاء السوق الخليجية المشتركة والاتفاق على سياسة تجارية موحدة، والنظر في نصوص الاتفاقية الاقتصادية الموحدة وأساليب التطبيق بهدف الوصول إلى مزايا جديدة تمكن مواطني دول المجلس من التمتع بمكتسبات جديدة لمسيرة الخير والنماء.

أما إقليميا وتحديدا في الشأن الفلسطيني، فقد رحب المجلس بقرار مجلس الأمن رقم “681” الخاص بتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وبدعوته لعقد مؤتمر دولي للسلام خاص بالقضية الفلسطينية.

وفي قمة الدوحة الثالثة التي عقدت في السابع والعشرين من ديسمبر عام 1996، والسابعة عشرة بتاريخ قمم مجلس التعاون، فقد حمل البيان الختامي عددا من القرارات المهمة المتعلقة بتعزيز التعاون بين دول المجلس بعضها البعض، وأهمها تسهيل انتقال الأيدي العاملة الوطنية بين الدول الأعضاء.

وفي المجال العسكري والاستراتيجي وافق أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس على رفع كفاءة القدرة الدفاعية الجماعية لدول المجلس وصولا إلى تحقيق التكامل الدفاعي بينها، بالإضافة إلى توحيد التعرفة الجمركية لدول المجلس وإقامة اتحاد جمركي بينها.

وفي يوم 21 من ديسمبر عام 2002، استضافت الدوحة (القمة الرابعة) على أرضها، والثالثة والعشرين في تاريخ قمم مجلس التعاون، وهي القمة التي حمل بيان الدوحة الصادر عنها قرار “قيام الاتحاد الجمركي” لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الأول من يناير عام 2003.

وقال البيان إنه مع العمل بهذا الاتحاد تكون دول المجلس قد أصبحت منطقة جمركية واحدة تستبعد فيها الرسوم “الضرائب” الجمركية واللوائح والإجراءات المقيدة للتجارة بين دول الاتحاد، وتطبق فيها لوائح جمركية موحدة، وتطبق فيها تعرفة جمركية موحدة بواقع 5 بالمائة تجاه العالم الخارجي.

وبهدف الوصول إلى سياسة بترولية متجانسة ومواقف مشتركة حول المستجدات المرتبطة بالطاقة، أقر المجلس “وثيقة الاستراتيجية البترولية” لدول مجلس التعاون، إضافة إلى إقراره خطة الطوارئ الإقليمية للمنتجات البترولية لدول المجلس التي تهدف إلى تحديد آليات التحرك الجماعي بين الدول الأعضاء، للتعامل الأمثل مع حالات الطوارئ.

كما استضافت الدوحة القمة الـ28 التي عقدت يومي 3 و4 ديسمبر عام 2007، وفيها أعلن المجلس عن خطوة مهمة في مسار التعاون بين دوله الست، بقيام السوق الخليجية المشتركة، اعتبارا من الأول من يناير عام 2008.

وتهدف السوق الخليجية المشتركة وفقا لما تم إقراره بالدوحة إلى إيجاد سوق واحدة يتم من خلالها استفادة مواطني دول المجلس من الفرص المتاحة في الاقتصاد الخليجي، وفتح مجال أوسع للاستثمار البيني والأجنبي، وتعظيم الفوائد الناجمة عن اقتصاديات الحجم، ورفع الكفاءة في الإنتاج، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتحسين الوضع التفاوضي لدول المجلس وتعزيز مكانتها الفاعلة والمؤثرة بين التجمعات الاقتصادية الدولية.

أما القمة السادسة بالدوحة والـ35 في تاريخ قمم مجلس التعاون والتي انعقدت يوم 9 ديسمبر 2014، فقد تميزت بالموافقة على تسريع آليات تشكيل القيادة العسكرية الموحدة للمجلس، وإنشاء “قوة الواجب البحري 81 الموحدة”، واعتماد “إعلان حقوق الإنسان” لدول الخليج العربية.

ووجه أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس بأهمية إنجاز مشروع سكة حديد مجلس التعاون لما يمثله هذا المشروع من أهمية حيوية واستراتيجية في تسهيل التجارة وانتقال الأفراد بين دول المجلس.

من جانب آخر، قطع العمل الخليجي شوطا كبيرا أثناء فترة تولي سعادة السيد عبدالرحمن بن حمد العطية منصب الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال الفترة من الأول من أبريل عام 2002 إلى 31 مارس عام 2011، وكان سعادة السيد العطية رئيس اللجنة المعنية بإعداد هيكل الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال بداية إنشاء المجلس عامي 1981 و1982.

وشهدت فترة سعادته في رئاسة مجلس التعاون منجزات تاريخية تمثلت في إطلاق الاتحاد الجمركي عام 2003، وإعلان قيام السوق الخليجية المشتركة في قمة الدوحة في ديسمبر 2007، ناهيك عن مشاريع ومقترحات دعت لتحقيق الربط المائي بين دول مجلس التعاون وإنشاء سكة حديد بين الدول الست، ومقترحات اقتصادية كالاتحاد النقدي ومجلس النقد وإنشاء البنك المركزي الخليجي، كما تم في عامي 2005 و2007 اعتماد معايير تقارب الأداء الاقتصادي اللازم لنجاح الاتحاد النقدي، بالإضافة إلى قرار ربط عملات المجلس بالدولار، واتخاذ قرار حاسم من قضية القرصنة البحرية.

كما حفلت مسيرته في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، بدعم المبادرة القطرية الهادفة لحل أزمة دارفور في غرب السودان، ودعم النجاح القطري في التوصل إلى حل ناجع للأزمة اللبنانية، ودعم مبادرة السلام العربية لعام 2002 التي أطلقتها السعودية كي تشكل المدخل المناسب لتحقيق سلام شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية وفي المنطقة، وإنصاف الشعب الفلسطيني.

وتجدر الإشارة إلى دور دولة قطر في ما تحقق من منجزات لفائدة مجلس التعاون الخليجي وبلورة توجهاته وقراراته في مختلف الملفات الإقليمية والدولية، والمساهمة الفاعلة في صياغة توجهات مميزة وسياسة متفردة، انعكست على ما خرجت به القمم الخليجية خاصة التي انعقدت في الدوحة من نقاط مضيئة في مسيرة المجلس، عبر إنجازات سياسية واقتصادية وإصلاحات هيكلية ومالية، والتي عكست حرص دولة قطر على إنجاح مسيرة المجلس وتحقيق تكامله الاقتصادي، وتطوير آفاق المجلس وتعزيز ثقله الإقليمي ونفوذه الدولي، وتعزيز لحمته الداخلية بما يعود بالرخاء على كافة الشعوب الخليجية التي تربطها أواصر الدين واللغة والتاريخ والقربى والمصير المشترك.

وقد حقق مجلس التعاون الخليجي استقرارا متميزا واحتل مكانة مرموقة قل نظيرها دوليا، بفضل السياسات والمواقف والرؤى التي اتخذها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس على مدى عقود، سواء عبر المنظومة الخليجية بخصوصيتها، أو ضمن المنظومتين العربية والإسلامية وفي المحافل الدولية.

ووفقا للمؤشرات الاقتصادية، فقد سجلت دول المجلس نموا ملحوظا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.3 بالمائة في عام 2022، بحسب ما أعلنه سعادة السيد جاسم البديوي الأمين العام الحالي لمجلس التعاون الخليجي، خلال كلمته في اجتماع المحافظين العرب مع رئيس مجموعة البنك الدولي على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في المغرب في 14 أكتوبر الماضي.

وأشاد البديوي بالتقدم المحرز “في الإصلاحات الهيكلية” التي قامت بها دول المجلس في مواجهة التحديات الاقتصادية، والتي أتت نتائجها إيجابية على الاقتصاد وتحسين مناخ الأعمال، والقدرة التنافسية، وتحقيق قفزة في مشاركة المرأة في القوى العاملة، كما شهد القطاع غير النفطي قفزة بنسبة 4.8 بالمائة في عام 2022.

واكتسب مجلس التعاون الخليجي نفوذا إقليميا ودوليا لا تخطئه الأعين على المستوى السياسي والاقتصادي، وخصوصا في العقدين الأخيرين، فقد عمقت دول المجلس علاقاتها الاستراتيجية مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين والهند، كما اتجهت دول المجلس مؤخرا نحو رابطة دول آسيان ومجموعة دول آسيا الوسطى ودول القارة الإفريقية، عبر شراكات استراتيجية واستثمارات هائلة وتجارة بينية ترتكز على تحقيق الأمن الغذائي وتطوير الصناعات بما فيها غير النفطية، ناهيك عن استقرار سوق الطاقة الذي تلعب فيه دول المجلس دورا حاسما في قطاعي النفط والغاز، بجانب استغلال الموقع الجيوسياسي.