النمسا.. برامج طموحة تتصدى لتداعيات التغير المناخي

فيينا في 28 سبتمبر/ وام/ تؤكد قرارات النمسا في ملف مكافحة التغير المناخي وتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة، ضرورة وأهمية مواجهة التغير المناخي، خاصة مع الظواهر الجوية القاسية والتغيرات المناخية الحادة، التي ظهرت بوضوح في الأرقام التي سجّلتها درجات الحرارة خلال فصل الصيف الماضي، وارتفاع متوسطها بمقدار 2.3 درجة مئوية، ونقص الأمطار على المدى الطويل، والتعرض لعواصف رعدية عنيفة مصحوبة بهطول أمطار غزيرة في غضون فترات زمنية قصيرة تؤدي لحدوث فيضانات وانهيارات طينية.

وأثبتت القياسات طويلة المدى ونتائج الدراسات والأبحاث العلمية، حدوث تغير ملحوظ في مناخ النمسا، وحذرت من حدوثه بمعدل أسرع بنحو مرتين في هذا البلد مقارنة بالمتوسط العالمي منذ الثمانينيات، بحسب أحدث تقرير للأمم المتحدة، حيث حذرت الجهات المعنية النمساوية من تعرض البلاد إلى تداعيات وتأثيرات مباشرة وغير مباشرة على البيئة والمناخ والمجتمع والاقتصاد، بسبب التغير المناخي.

وتتمثل أبرز عواقب تغير المناخ في النمسا، في ارتفاع متوسط درجة الحرارة السنوية بأكثر من درجتين مئويتين منذ عام 1980، والتعرض لفصول صيف أكثر سخونة وشتاء أكثر اعتدالا، وزيادة عدد الأيام الحارة بشكل حاد، وانتشار الجفاف بسبب قلة الأمطار، وانخفاض متوسط مدة الغطاء الثلجي بنحو 42 يومًا خلال الستين عامًا الماضية، وتراجع وذوبان الجليد في مناطق جبال الألب المرتفعة، وتدهور التنوع البيئي، وتعرض النمسا لغزو حشرات خارجية ضارة بسبب ارتفاع درجة الحرارة.

وتظهر البيانات الصادرة عن المعاهد المتخصصة، حدوث تغيرات مناخية في النمسا خلال السنوات الماضية، منها تقرير صادر عن المعهد النمساوي للأرصاد الجوية والديناميكا الجيولوجية، أكد أن العام الماضي 2022، كان من أكثر الأعوام دفئًا في النمسا، منذ بدء تسجيل درجات الحرارة قبل 256 عاماً، وأوضح أن عام 2022 جاء في المركز الثالث، بعد عامي 2018، 2014، وكان أدفأ بمقدار 3ر2 درجة مقارنة بمتوسط درجة الحرارة المسجل خلال الفترة من 1961 إلى 1990، وأعلى بقيمة 1ر1 درجة، مقارنة بمتوسط الفترة من 1991 حتى 2020.

وأوضح التقرير أن العام الماضي سجل رقماً قياسياً جديداً بالنسبة لارتفاع درجة الحرارة في المناطق الجبلية، ورصد أعلى درجة الحرارة بلغت 7ر38 درجة، في منطقة جبال “سيبرزدورف”، في ولاية النمسا السفلى، واعتبر العام الماضي 2022 أسوأ عام على الإطلاق شهدته النمسا بالنسبة لتدهور أوضاع الأنهار الجليدية، بحسب مارك أوليفس رئيس قسم أبحاث المناخ في المعهد.

وفي إطار تعاطي النمسا مع قضية تغير المناخ، تتبنى الحكومة استراتيجية طويلة الأمد للتكيف مع أزمة المناخ منذ عام 2012، تم اعتماد نسختها المحدثة في عام 2017، وتعهدت فيها الحكومة بتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2040، وتحويل إمدادات جميع الطاقة إلى طاقة متجددة بنسبة 100%، حيث بدأت الحكومة اتخاذ تدابير وإجراءات تؤدي إلى تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الصفر بحلول عام 2040.

وتعد النمسا من أوائل دول الاتحاد الأوروبي، التي تتبع استراتيجية طويلة الأمد تعتمد على ركيزتين أساسيتين وتجمع بين المفهوم الاستراتيجي للتكيف مع تغير المناخ، وتنفيذ خطة عمل شاملة على عدة مستويات.

وتهدف الاستراتيجية النمساوية إلى تجنب الآثار الضارة لتغير المناخ على البيئة والمجتمع والاقتصاد، والوصول إلى الحياد المناخي في الموعد المقرر، مع جعل المجتمع قادراً على التكيف مع عواقب تغير المناخ التي لا يمكن تجنبها، وهي استراتيجية أساسية للسياسة المناخية الدولية منذ اتفاق باريس في عام 2015، حيث يمكن النظر إلى النمسا على أنها واحدة من أكثر الدول الأوروبية طموحاً، فيما يتعلق بهدفها المعلن لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2040.

وسلطت وكالة البيئة النمساوية، في أحدث تقرير لها، الضوء على أهم التدابير البيئية، التي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2022، وتشمل التوسع في توليد الطاقات المتجددة بأنواعها المختلفة، ودعم السيارات الكهربائية، وإصدار تذكرة مواصلات رخيصة موحدة لجميع ولايات النمسا التسع، وتسعير انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وتعد زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، الناجمة عن الحركة المرورية في النمسا، ونمو قطاع النقل بشكل حاد وارتفاع عدد الكيلومترات التي تقطعها شاحنات الديزل وزيادة حركة الشحن والنقل، من أهم التحديات التي تواجه تقليص الانبعاثات الضارة في هذا البلد، حيث تشير الأرقام الإحصائية إلى ارتفاع الانبعاثات المرورية بنسبة 57% منذ عام 1990.

وتعول حكومة النمسا بشكل كبير على التقدم التكنولوجي المتوقع في مجال صناعة السيارات وتقلص أعداد السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق تدريجياً لصالح انتشار السيارات الكهربائية، بشكل يساعد على خفض الانبعاثات المرورية، بينما تتوقع وكالة البيئة النمساوية انخفاض حجم الانبعاثات الناجمة عن وسائل النقل بنسبة 56% بحلول 2050.