الرئيس الأمريكي السابق يتصدر العناوين وسط دعاوى قضائية قد تهدد مسيرته

الدوحة في 19 مارس /قنا/ عاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى واجهة الأحداث الأمريكية والعالمية مجددا، بعدما دعا أنصاره إلى التظاهر دعما له، قائلا إنه سيتم توقيفه الثلاثاء المقبل، تحسبا لاحتمال توجيه تهم رسمية إليه، في قضية تقديم مبالغ مالية مشبوهة قبل سنوات.

وتتزامن دعوات ترامب مع استعادة حساباته في منصات التواصل الاجتماعي وأهمها يوتيوب وفيسبوك، حيث يمتلك 34 مليونا متابعا على “فيسبوك”، وأكثر من 2.6 مليون متابع على “يوتيوب”. ويأتي هذا بعد أسابيع من استعادة حسابه أيضا في تويتر، الذي سبق أن منع منه على خلفية موقفه المؤيد لمظاهرات أنصاره العنيفة التي اقتحمت مباني الكابيتول التي تمثل مقر الكونغرس، عقب خسارته الانتخابات الرئاسية عام 2022، أمام الرئيس الحالي جو بايدن والتي رفض الرئيس السابق الإقرار بها.

وكتب الرئيس الجمهوري السابق (2017-2021)، الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية للعام 2024 في حسابه على منصته الاجتماعية الخاصة Truth Social صباح السبت، في منشور بأحرف كبيرة “تظاهروا! استعيدوا بلادنا!”. محذرا من الدعاوى القضائية، مع العلم أن الإدانة لو تمت فستكون أمرا يحدث لأول مرة لرئيس سابق في الولايات المتحدة، في حال اعتقل أو حتى مجرد توجيه اتهامات له رسميا.

ويركز التحقيق على دفع مبلغ 130 ألف دولار قبل أسابيع من انتخابات الرئاسة في العام 2016، لشراء صمت ممثلة، بشأن علاقة قبل سنوات، الأمر الذي كان سيضر بحظوظ ترامب الذي ترشح وفاز في تلك الانتخابات الرئاسية.

ورغم أن دفع هذا المبلغ يعتبر بحد ذاته قانونيا في الولايات المتحدة، إلا أنه يطرح مشكلة على اعتبار أن مكتب المدعي العام في نيويورك الذي يقود التحقيق، يتعامل معه على أنه تبرع خفي في إطار حملة الرئيس، وهو ما يعد انتهاكا لقوانين التمويل الانتخابي، ومساهمة غير مشروعة في الحملة الانتخابية، حيث استفاد ترشحه لأرفع منصب في البلاد من صمتها، بحسب ما يقوله مكتب المدعي العام.

وتنطلق إشارة ترامب الجديدة على خلفية تسريبات من النيابة العامة لولاية نيويورك في منطقة مانهاتن، وشائعات تتكاثر منذ أيام، بشأن احتمال صدور لائحة اتهام جنائية محتملة في قضية الممثلة ستورمي دانييلز من جانب هيئة محلفين كبرى، وهي لجنة مواطنين تتمتع بسلطات تحقيق واسعة ومسؤولة عن التصديق على لائحة الاتهام، حيث وصف ترامب مكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن ألفين براغ، وهو قاض منتخب وديمقراطي، بأنه “فاسد ومسيس جدا”.

اللافت في القضية الجديدة أن محاميه الشخصي السابق مايكل كوهين الذي أصبح من ألد أعدائه إثر خلافات لاحقة بينهما، هو المسؤول عن دفع مبلغ 130 ألف دولار إلى الممثلة. وقد أدلى مايكل كوهين الذي أدين في هذه القضية، بشهادته مرتين على الأقل أمام هيئة المحلفين الكبرى في هذا التحقيق الأسبوع الماضي.

وليست تلك التهمة الوحيدة التي تلاحقه، فثمة دعوى احتيال من ولاية نيويورك بقيمة 250 مليون دولار تواجه ترامب، وتزعم وجود مخطط استمر لعشر سنوات، للتلاعب بأكثر من 200 تقييم للأصول ولصافي ثروته، للفوز ببنود أفضل من البنوك وشركات التأمين، غير أن ترامب وصف الدعاوى القضائية بأنها مكيدة.

على أن الإدانة لو تمت فلا يمكن الجزم بعواقبها المحتملة على مسيرة ترامب في حملته لتولي فترة رئاسية جديدة، وقد أكد أنه لا يعتزم سحب ترشحه حتى إذا تمت إدانته، في ظل إمكانية مضي مرور شهور، أو سنوات في بعض الحالات، قبل أن يصدر الادعاء الاتهام.

بجانب ذلك، فإن الإدانة لا تمنع ترامب قانونيا من الترشح في انتخابات الرئاسة لعام 2024، لكن وفقا للأعراف الانتخابية، فإنها قد تكون مادة للتراشق الانتخابي بين المتنافسين على كسب ود القواعد المؤيدة للحزب الجمهوري، وسط جدل قد يرافق أي مرشح مدان بتهم تقديم مبالغ مالية مشبوهة.

وتثير هذه الدعوة الاحتجاجية من ترامب مخاوف جديدة للسلطات الأمريكية، تذكر الشارع بأصداء الدعوة التي أطلقها في العام 2020  زاعما فيها أن الانتخابات الرئاسية “سرقت” منه، لتدفع الآلاف من أنصاره للتظاهر في العاصمة واشنطن في السادس من يناير 2021، في محاولة منهم لمنع المصادقة على انتخاب جو بايدن رئيسا. وأحدثت الاحتجاجات العنيفة زلزالا سياسيا وحدثا أمنيا خرق كل البروتوكولات المعهودة، وأثار الحنق على ترامب نفسه وفتح الباب لملاحقات ومحاكمات بحق الأشخاص الذين تسببوا بتعطيل أهم مؤسسة تشريعية في الولايات المتحدة.

واعتبر الخطاب الذي ألقاه في ذلك الحين مقدمة لهجوم شنه أنصاره على مبنى الكابيتول مقر السلطة التشريعية، في حدث شكل صدمة لأمريكا والعالم، رغم أنه تمت تبرئته في محاكمة بالكونغرس، ولم تتم إدانته بالمسؤولية عما حدث، لأن عدد المصوتين ضده آنذاك لم يبلغ النصاب اللازم، وهو ثلثي الأعضاء، لكن ترامب الذي نجا من عدد من القضايا القانونية من دون أن يتم توجيه اتهامات إليه فيها، قد يرى هذا التهديد يتحقق هذه المرة قريبا.

تداعيات تصريحات ترامب أحدثت ردود فعل عند العديد من الحانقين عليه، ومن بينهم رئيسة مجلس النواب السابقة الديمقراطية نانسي بيلوسي التي كانت داخل مبنى الكابيتول وقت الهجوم عليه عام 2022، وقالت إن “إعلان ترامب هذا الصباح خطير”، متهمة إياه بالرغبة في “الاستمرار في تصدر العناوين وإثارة مؤيديه”، بحسب ما قالت.

كما يتوقع أن تشحن تصريحاته حماسة بعض أنصاره، خصوصا وأنه كتب على منصتي فيسبوك ويوتيوب في أول إطلالة بعد استعادة الحسابات “لقد عدت” مرفقا إياها بمقطع استغرق 12 ثانية وقال فيه “آسف لجعلكم تنتظرون – إنه عمل معقد”، وهو ما قوبل بآلاف التعليقات وكان كثير منها مؤيدا لعودته على تلك المنصات.

وأثارت عودة ترامب لمنصات التواصل جدلا قانونيا واجتماعيا، إذ اتخذ الادعاء من منشورات ترامب الهجومية على وسائل التواصل الاجتماعي، دليلا في الدعاوى القضائية المرفوعة ضده وضد إدارته، بالإضافة إلى ذلك تعارض مجموعات ناشطين مثل “ميديا ماترز فور أمريكا” السماح لترامب باستغلال إمكانات الاتصال التي يوفرها عمالقة التكنولوجيا، واتهمت شركة ميتا المشغلة لتطبيق فيسبوك “بتجاهل مخاطر ترامب المستمرة على السلامة العامة”.

ويقول خبراء متخصصون بالحملات الانتخابية، إن فوز ترامب المفاجئ في انتخابات 2016 يعود جزئيا إلى نفوذه على وسائل التواصل الاجتماعي وانتشاره الرقمي الهائل. وتفيد تقارير بأن ترامب لا يزال يتمتع بشعبية واسعة بين ناخبيه على الرغم من هزيمته في الانتخابات الرئاسية، والانتقادات التي تعرض لها بسبب أعمال العنف التي وقعت في يناير بمجمع الكونغرس. فقد كشف استطلاع للرأي في فبراير 2023، أن نسبة 46 في المئة من الناخبين الذين صوتوا لترامب سابقا، سيصوتون له مرة أخرى لو أنشأ حزبا جديدا، وهو ما استبعده ترامب نفسه خشية الانشقاقات داخل الحزب الجمهوري.