جهود قيمة لقسم السفن الخشبية بالمكتب الهندسي الخاص في إحياء التراث البحري القطري

الدوحة في 26 نوفمبر /قنا/ يضطلع قسم السفن الخشبية بالمكتب الهندسي الخاص، بدور كبير في صون تراث الآباء والأجداد المتعلق بالتراث البحري القديم، إلى جانب عدد من المؤسسات الأخرى بالبلد بالإضافة إلى دور القطاع الخاص في هذا المجال.

ونظرا لأن التراث البحري في قطر، يعد جزءا مهما في الوجدان الشعبي خلال حياة ممتدة عبر آلاف السنين ارتبط فيها القطريون ارتباطا وثيقا بالبحر وأسراره والغوص في مياهه بحثا عن مكامن كنوزه وللآلئه، أو عن طريق التجارة البحرية وربط علاقات مع دول الجوار، فإن قطر من خلال الورشة الرئيسية لصناعة السفن (قسم السفن الخشبية) الكائنة بفريج شرق ـ منطقة رأس بو عبود ـ تحمل مشعل صون هذا التراث والحفاظ عليه.

وفي هذا الصدد، يقول صقر بن لحدان المهندي صاحب كتاب “موسوعة قطر البحرية”، إن “البيئة القطرية الساحلية القاسية، فرضت على أهل قطر منذ القدم اقتناء السفن وركوب البحر طلبا للرزق والمعيشة، وأطلق ملاك تلك السفن على السفن وهي مجتمعة عدة مسميات لا تزال تردد حتى يومنا هذا، ومن أشهر تلك المسميات (خشب) و(محامل)، وكلا المصطلحين صحيح ، كما أطلق ملاك السفن كذلك على السفن وهي منفردة عدة مسميات حسب أحجامها وأشكالها ومن تلك المسميات: بقارة، سنبوك، جالبوت، بتيل، شوعي، كتر، هوري، بانوش..”، حيث يقدم المهندي في موسوعته شرحا لكل سفينة والغرض منها.

من جهته، قال السيد حمد جمعة السليطي رئيس قسم السفن الخشبية بالمكتب الهندسي الخاص في تصريح خاص لوكالة الأنباء القطرية “قنا”، إن قسم السفن الخشبية كان اسمها في البداية الورشة الأميرية”، وتم تصنيع عدة سفن خشبية فيها، وبعد ذلك استلم هذا القسم من المكتب الهندسي الخاص من أجل المحافظة على الموروث البحري.

وأكد أن الهدف من القسم هو المحافظة على السفن الخشبية وتصنيعها بالطريقة التقليدية، وكذلك الاعتناء بجميع ما يتعلق بالخشب الموجود في سوق واقف من قبيل الأبواب والشبابيك الخشبية.

وأوضح السليطي أن صيانة السفن، في قسم السفن الخشبية، تتسع للسفن الخشبية بأشكال وأنواع مختلفة على حسب استخدامها وأحجامها، منوها في الوقت نفسه، بأن سفن “الجالبوت”، و”السنبوك”، و”شوعي”، و”البقارة”، كان لها استخدام في الماضي، حيث إن السفن الصغيرة كانت تستخدم للغوص، أما السفن الكبيرة فكانت تستخدم للسفر.

وأضاف: “هذه السفن موجودة هنا ، أما بخصوص صيانتها، فنقوم بصيانه كافة السفن الخشبية ومنها سفينة فتح الخير التي جابت عددا من دول أوروبا قبل استضافة بلدنا لنهائيات كأس العالم FIFA قطر 2022، حيث تم صيانتها في قسم السفن الخشبية.. بالإضافة إلى أننا مسؤولون عن صناعة المجسمات للسفن الخشبية الموجودة في جميع الجهات في الدولة”.

وبخصوص أقدم المحامل التي تم صيانتها في الورشة، نوه السيد حمد جمعة السليطي، بأن أقدمها “البتيل”/، وكان ذلك سنة 1986، وهي موجودة حاليا في متحف قطر الوطني، حيث إن هذه السفينة تتم صيانتها صيانة دورية في قسم السفن الخشبية.

وعن محمل “فتح الخير” الذي انطلق في رحلات سابقة إلى عدد من الدول في السنوات الماضية، أكد رئيس قسم السفن الخشبية بالمكتب الهندسي الخاص، أنه تم تجهيزه بالكامل للسفر، وتم إضافة بعض المقويات له كسفينة تتحمل مخر عباب البحر الخارجي غير بحر الخليج. حيث إن هذه السفينة نجحت ووصلت أوروبا، وهي الآن بحالة ممتازة .

وحول حرفة صناعة السفن، أشار إلى أن “القلاف” هو المسؤول عن صيانة وصناعة السفن، حيث يقوم قسم السفن الخشبية بتدوين المصطلحات والمعدات المتعلقة بصناعة السفن التقليدية والتي يستخدمها القلاف، وطريقة صناعة السفن، لافتا إلى أن القسم لديه عدة مشاركات في معارض كثيرة، ومع الجامعات، خاصة جامعة قطر.

وأثناء حديثه عن صناعة سفن تقليدية جديدة، أوضح السليطي أن هناك خطة مستقبلية بهذا الخصوص، لصناعة إحدى السفن، لكن حاليا “لا نتحدث عن بقية التفاصيل، إلا بعد التأكد من المقاسات والحجم ونوع السفينة التي سنصنعها إن شاء الله”.

من جانبه، قال المهندس أحمد جاسم الصايغ، المشرف والمسؤول عن التصاميم وصناعة السفن بقسم السفن الخشبية في تصريح مماثل لـ”قنا”، إن عملنا قائم على إحياء التراث البحري القديم، لذلك نحن في عملية التصميم والقياسات، نحاول الالتزام بالشكل التراثي القديم سواء في الأجزاء والتركيب، ونعتمد على الصور القديمة لنحصل على نسب الطول والعرض، وذلك من خلال البحث في كتب ومصادر التاريخ والصور والسفن القديمة وآراء كبار السن والنواخذة القدامى.

ولفت إلى أن قسم السفن الخشبية افتتح عددا من الورش في كل من الوكرة والخور والشمال من أجل صيانة السفن الخشبية، وتقديم هذه الخدمة بأسعار رمزية لملاك السفن التراثية.

وأشار إلى أن الورشة توفر أخشاب “التيك” و”الجنغلي” لعمل هيكل السفينة والمسامير والدهن والفتيل وذلك دعما لأصحاب السفن الخشبية التراثية في قطر، من أجل المحافظة على التراث البحري.

وشدد الصايغ على أهمية صيانة السفينة التقليدية التراثية، وعدم التأخر عن موعد الصيانة وخصوصا ما يتعلق بدهنها من أجل مقاومة التآكل، مستحضرا بهذا الخصوص مثلا قديما هو “ادهن السفينة بـ(صل) وحارب القلاف”، ومفاده أن السفينة بصيانتها الدورية تعمر طويلا، بحيث لا يجد (القلاف/ صانع السفينة التقليدية) شغلا.

ونوه بأنه لا يوجد عمر افتراضي للسفن، لافتا في الوقت نفسه إلى أن عمر السفينة يتوقف على العناية والاهتمام بصيانتها، فقد تعيش السفينة أكثر من مائة عام إذا تمت الصيانة التي تستحقها.

ونبه الصايغ إلى أن من أهم التحديات التي كانت تواجه السفن التراثية، هو صناعة نفس المواصفات بالفايبر جلاس، وقال: “لقد توقف منح تراخيص لاستخدام مثل هذه السفن للحفاظ على تراثنا القديم من السفن صاحبة التاريخ في قطر والخليج”، وأضاف: الحفاظ على السفن التراثية هو ما نقوم عليه ونسعى إلى تحقيق أعلى معدلات النجاح في الحفاظ على أكبر عدد ممكن من السفن القديمة بأنواعها وأحجامها المختلفة.

وأعرب المشرف والمسؤول عن التصاميم وصناعة السفن بقسم السفن الخشبية، عن فخره بما حققه القسم من إنجازات، ومن ذلك صيانة محمل “فتح الخير” الذي أبان للعالم أجمع “قدرة أجدادنا وآبائنا على صناعة السفن الخشبية التقليدية، وسافروا بها إلى البصرة والهند وإفريقيا ثم إلى أوروبا. وأثبت المحمل أنه جدير بركوب الأمواج والمقاومة”.

وكشف أن عملية صيانة “فتح الخير” استغرقت ثمانية أشهر تقريبا في الشمال، وتم تبديل الغاطس، وبعض الأجزاء، سواء ما يتعلق بالهيكل الداخلي والجسد الخارجي، والقيام بتوزيعات الأوزان، نظرا لأهمية هذا التوزيع في السفينة، حتى تمخر عباب البحر في ارتياح.