وآمنهم من خوف يناقش دور مؤسسات المجتمع المدني في صناعة التحصين القيمي

الدوحة في 29 مارس /قنا/ ناقشت الجلسة الثانية من البرنامج الرمضاني الحواري “وآمنهم من خوف” في نسخته التاسعة، الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ممثلة بإدارة الدعوة والإرشاد الديني، دور مؤسسات المجتمع المدني في صناعة التحصين القيمي، بمشاركة مجموعة من علماء ومفكري العالم الإسلامي.

 

وأكد العلماء والمفكرون خلال الجلسة، أهمية مؤسسات المجتمع المدني ودوها الكبير في تعزيز القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية في المجتمع، فضلا عن أثرها في غرس روح التماسك الاجتماعي، وتحقيق النمو والتطور بشتى المجالات.

وفي هذا الإطار، بين سعادة الدكتور الشيخ خالد بن محمد آل ثاني، أن المسمى القرآني لمنظومة القيم المجتمعية هو “العرف”، وهو ما توافق عليه مجموعة من الناس في بقعة من بقاع الأرض على مدى زمن معين، بحيث أصبح أمرا متوارثا بين الأجيال، ولا يخالف الشرع، مشيرا إلى أن الله -عز وجل- جعل “العرف” من المراجع التي يحتكم إليها، استنادا لقوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين).

 

وقال إن “الإسلام لم يقم بترسيخ وتعزيز هذه الأعراف فحسب، وإنما جعلها من الدين وأمر بها”، مشيرا إلى أنه يمكن للمؤسسات الحكومية والأهلية تعزيز هذه الأعراف من خلال تعزيز القيم الرئيسية التي تنبثق عنها، وتعزيز العرف بشكل مباشر عبر تسليط الضوء عليه وتبيان أهميته على الفرد والمجتمع، داعيا إلى المحافظة على هذه الأعراف ونقلها من جيل لآخر، نظرا لأهميتها في تعزيز القيم الدينية.

 

من جهته، ذكر الدكتور كمال عكود “أن مؤسسات المجتمع المدني، هي مؤسسات ينشئها أفراد أو مجموعات بأهداف غير ربحية، مثل منظمات العمال أو الهيئات الخيرية أو الدينية، والتي تخدم كل منها قضية أو عدة قضايا بأسلوب منظم، بحيث يستفيد منها منتسبوها، وبما ينعكس على المجتمع”، مبينا أن مؤسسات “الوقف” تعد من أبدع ما أنتجته الحضارة الإسلامية، حيث قام الوقف على العلم والتعليم والصحة، حتى أنه أوقف على الطيور المهاجرة، وعلى الأواني لكي يستفيد منها الخدم إذا كسروا بعضها.

وأكد أهمية مؤسسات المجتمع المدني وأثرها الكبير على الفرد والمجتمع، لافتا إلى قدرة هذه المؤسسات على تحقيق منافع قد لا تستطيع المؤسسات الحكومية تحقيقها أحيانا، فضلا عن دور هذه المؤسسات في تنمية المجتمع بمختلف المجالات.

 

وأوضح أن العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية ينبغي أن تبنى على التوافق والتشارك، حتى يؤدي العمل المدني دوره ويحقق الاستفادة المطلوبة للفرد والمجتمع.

وفي سياق ذي صلة، تحدث الدكتور كمال قدة، عن أهمية “الأوقاف” وأثرها الكبير في حياة المجتمع الإسلامي، مبينا أن جميع وزارات الشؤون الإسلامية في العالم العربي يرتبط اسمها بالأوقاف، نظرا لما يحققه الوقف كمؤسسة من منافع متعددة، قائلا “إن الأوقاف من أكثر مؤسسات المجتمع المدني التي ظلمت عبر التاريخ، حيث يجري التعامل معها بأسلوب تقليدي وقديم”، مشيرا إلى فشل العديد من المشاريع الوقفية في العالم الإسلامي لسوء التعامل معها.

وشدد قدة على ضرورة إبراز الأوقاف إعلاميا لتعريف شباب اليوم بأهميتها على الفرد والمجتمع، داعيا الأئمة والخطباء للتركيز على هذا الجانب وشرح فضائله.

 

من جانبه، قال الدكتور محمد عبدالكريم، “إن العمل المدني التطوعي أصبح مقياسا لثقافة المجتمعات ورقي سلوكها، لكونه يغرس روح التماسك الاجتماعي ويدعم المبادئ الإنسانية والأخلاقية والدينية”، مشيرا إلى أن العمل المدني يعتبر من روافد التنمية في المجتمعات، خاصة إذا كانت مساحته رحبة في حياة المسلم، ومعتبرا أن العمل المدني هو علامة بارزة على صفاء معدن الإنسان المسلم، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – علمنا أنه لا يمكن لمسلم أن تطلع عليه شمس يوم دون أن يتصدق بصدقة أو أن يقدم شيئا مفيدا لمجتمعه.

وأكد عبد الكريم أن المسلمين أبدعوا في العديد من مجالات العمل المدني، وسجلوا فيها حضورا مهما، كمجالات تيسير العبادة، وتعليم الناس وتثقيفهم بأمور الدين، والعناية ببيوت الله تعالى، من خلال تشييدها وتهيئتها كما في قوله تعالى (وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود)، لافتا إلى الجهود التطوعية التي رافقت بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، للتعريف بالإسلام وبعدة لغات.

 

كما استعرض العديد من الأعمال التطوعية التي تستهدفها مؤسسات المجتمع المدني، مثل إنشاء المكتبات والمدارس والجامعات وغيرها من المؤسسات التعليمية، إلى جانب المؤسسات الإغاثية والخيرية التي تبذل جهودا كبيرة، خاصة عند الأزمات والكوارث.

بدوره، قال الدكتور عصام البشير “إن الرؤية الإسلامية تتميز عن الرؤية الغربية بهذا الإطار في ثلاثة أبعاد، أولها في المنطلقات والدوافع، وثانيها في الثمار والنتائج، وثالثها في الوسائل والأدوات”، مبينا أن الرؤية الإسلامية هي رؤية ربانية الغاية، وانسانية الامتداد، وأخلاقية المضمون، وتكاملية العطاء بين الجهود الرسمية والمجتمعية، وتحقق النفع لبني الإنسان.

 

وأضاف أن المسلمين يؤمنون بوحدة الأصل الإنساني، وأن الرعاية للكرامة الإنسانية بصرف النظر عن دينها ومعتقدها، كما أن إعمال الأخوة الإنسانية أولى من إهمالها، لافتا إلى واقعية الاختلاف بين البشر، وثمرة هذا الاختلاف تكمن في التعارف وبذل المعروف، فضلا عن أن المنظور الغربي قد اختزل الإنسان في البعد المادي فقط، حيث بنيت الفلسفة الغربية على الأبعاد المادية والنفعية والبراغماتية، التي استبعدت بمجملها القيمة الروحية للإنسان وأثرها عليه وعلى المجتمع.

وختم البشير قوله “نحن أمة تلتمس الحكمة النافعة من أي وعاء خرجت”، لافتا إلى أهمية التفريق بين الفاعلية الحضارية والغزو الحضاري، فالقيم نستمدها من ديننا الحنيف، أما الأدوات نفيد فيها ونستفيد منها وفق منظومتنا الحضارية والشرعية.