الرياضة الدامجة تعزز المساواة للأشخاص ذوي الإعاقة

عمان 14 تشرين الثاني (بترا) بشرى نيروخ- الرياضة ليست ترفا، بل حق من حقوق الإنسان بصرف النظر عن السن أو الجنس أو الانتماء. هذا مبدأ لا يختلف عليه اثنان، لكنه على أرض الملاعب لا يتحقق إلا بوعي مجتمعي وحرص مؤسساتي على احترام هذا الحق دونما تمييز أيا كانت مبررات هذا التمييز.

فالرياضة تروج لقيم عالمية تتجاوز تعدد اللغات والثقافات، وتعد الوسيلة الأكثر تأثيرا في الدمج المجتمعي ومكافحة التحيز ليس ضد المرأة فحسب، بل لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في النشاط المحتمعي باعتبار ذلك حقا من حقوقهم الإنسانية الأساسية، بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

لكنّ هذا الحلم قد يتبخر إذا لم يُمعن المراقبُ النظرَ في المحيط، وفي مقدمة هذا أوضاع ذوي الإعاقة في مجال الرياضة، باعتبارها ضرورة صحية للبدن والروح سواء بسواء، وحقا لذوي الإعاقات الذين أشار بعضهم إلى ما وصفوه بـ “التحديات أو الصعوبات التي تحول دون حقهم بممارستها”.

فالصورة النمطية المرتسمة في العقل المجتمعي تسربت لأسباب تعددت مبرراتها في مؤسسات تعليمية أو رياضية أو حتى في بعض الأماكن العامة لترسخ حالة من العزلة والإحباط لأشخاص هم في أمس الحاجة ليس للدمج المجتمعي فحسب، بل لممارسة حقهم بالرياضة باعتبارها حقا تكفله التشريعات والمواثيق، بحسب معنيين يؤكدون ضرورة توفير الأجهزة والمعدات والصالات المناسبة لذوي الإعاقة وإعداد مدربين مختصين للتعامل معهم وتدريبهم على ممارسة مختلف الرياضات التي تسرّع دمجهم في المجتمع.

فالرياضة بحسب روايات ذوي إعاقة قابلتهم وكالة الأنباء الأردنية (بترا) هي أحد الحقوق المهمة جدا لدورها الكبير في النماء البدني والفكري والتواصل الاجتماعي كما تقول آلاء أبو خضرة ومعتز الجنيدي وصقر الزيود، “لكن هذا الحق يصطدم بتحديات يواجهونها” حملتها (بترا) مع مطالبهم وآمالهم لتضعها أمام الرأي الآخر من المعنيين والمختصين الذين فتحوا صدورهم لهذه القضية بلا تحفظ.

وبحسب قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017، “يعد شخص ذا إعاقة كل من يعاني من قصور طويل الأمد في الوظائف الجسدية أو الحسية أو الذهنية أو النفسية أو العصبية، يحول نتيجة تداخله مع العوائق المادية والحواجز السلوكية دون قيامه بأحد نشاطات الحياة الرئيسية، أو ممارسة أحد الحقوق، أو إحدى الحريات الأساسية باستقلال تام”.

الطالبة بكلية الرياضة في إحدى الجامعات آلاء أبو خضرة من ذوات الإعاقة البصرية، تقول إنها انتصرت على الصورة النمطية التي تكبل انفتاح الكفيف على المجتمع، فأثبتت بالفعل لا بالقول لأساتذتها مثلما أثبتت لمجتمعها جدارتها في اجتياز التدريب لتصبح طالبة بتخصص “علوم الحركة والتدريب لمستوى الرياضي الأول”.

قصة أبو خضرة يتردد صداها في تجارب أقران كثر من ذوي الإعاقة الذين يقعون ضحية لنمطية مؤذية، لكنهم لم يستسلموا لتحديات التنميط السلبي، فخاضوا صراعا أسفرت نتائجه عن تقبّل الجمهور وتفهّمه.

إن أول وأكثر ما يؤذي ذوي الإعاقة عموما، كما تقول أبو خضرة، هو الصورة النمطية التي يرسمها المجتمع المحيط أولا، يليه المجتمع الأوسع الذي يصدر حكما مسبقا بالإقصاء دون التفكر ولو للحظة بأن الكفيف مثلا لن تعجزه إعاقته على خوض غمار تخصص “علوم الحركة” ليصبح بمنزلة رياضي أوّل.

فالحواجز المجتمعية هي بالتأكيد التحدي الأعم أمام ذوي الإعاقة، لكنني، تقول أبو خضرة، “لم أتصور أن تلاحقني هذه النظرة في مجال تخصص رياضي اخترته برغبة عارمة معززة بالإرادة القوية والسبب الحكم المسبق بعدم (معقولية) أن أتخصص بهذا المجال؛ لأنني من ذوات الإعاقة البصرية”، مشيرة الى “رفض أحد الأساتذة تدريبي مع الطلبة من غير ذوي الإعاقة بسبب الصورة النمطية المسبقة المرتسمة في ذهنه، لكنني استطعت في النهاية إثبات نفسي. لقد نجحت”.

هناك تحد آخر واجه ابو خضرة خلال دراستها لهذا التخصص هو بحسب تعبيرها “عدم وجود مناهج ميسّرة لتعلّم ذوي الإعاقة، فلم يكن من السهل إيجاد مشرف يكتب لها إجابات الامتحانات التي تجرى خارج الحرم الجامعي، إضافة إلى أنّ حل الواجبات وإرسالها يستغرق وقتا كبيرا لتحويل الإجابة الشفهية إلى مكتوبة بمساعدة والديها تمهيدا لإرسالها عبر الإنترنت إلى الجامعة”.

أما عدم وجود أنشطة رياضية لذوي الإعاقة في الجامعة يتيح لهم اللعب فهو تحد آخر، كما تقول، مشيرة إلى أنها “لم تتمكن من المشاركة في ماراثون الجامعة الذي أقيم أخيرا لعدم وجود تسهيلات وترتيبات تيسيرية”.

أنشطة آلاء الرياضية بدأت عام 2014 حين كانت لاعبة في مدرسة خاصة بالمكفوفين، لتصبح بعد لاعبة منتخب وطني في لعبة (كرة الهدف) للمكفوفين، “لقد نافسنا المنتخب العراقي عام 2016، وحققنا الفوز”. تقول أبو خضرة، إن الرياضات التي تخوضها انعكست بشكل عميق على صحتها النفسية، وغيّرت من شخصيتها، وبدّدت عنها العزلة والانطواء، وأصبحت اجتماعية وتتواصل مع الناس بشكل أفضل.

وتستذكر آلاء أيام الدراسة في المرحلة الابتدائية حيث كانت بداياتها مع إحدى المدارس الحكومية، وهناك قوبلت بالرفض من قبل بعض المعلمات، وانشغال البعض منهن عنها، فبدأ تحصيلها الدراسي بالتراجع، فضلا عن عدم إشراكها بالأنشطة الأنشطة الرياضية لإخلاء المسؤولية، فاضطرّت للجلوس في الصف إلى حين انتهاء أقرانها من هذا النشاط الممتع.

على أن لاعب المنتخب الوطني والمدرب الرياضي معتز الجنيدي من ذوي الإعاقة الحركية، قصة مشابهة، مشيرا إلى أن بدايته كانت في مدرسة جمعية الحسين لرعاية وتأهيل ذوي التحديات الحركية، وهي مدرسة خاصة لذوي الإعاقة، وبعدها أكمل تعلميه في المدارس الحكومية إلى أن أنهى دراسته الثانوية. يقول الجنيدي “واصلت دراستي الجامعية لمستوى البكالوريوس وأنا على رأس عملي ثم “سعيت لتحقيق حلمي بأن أكون مميزا، فأكملت الماجستير في المحاسبة”، لكنه مع كل هذا الإنجاز لم ينس سرد الجانب الآخر المحبب له وهو شغفه وحبه للرياضة حين كان في رحاب جمعية الحسين فـ “كنا نلعب كرة سلة”.

ويضيف: “قررت بعد دراستي إبراز مواهبي الرياضية فكانت الخطوة الاولى برفع الأثقال، “أذكر أنني رفعت 60 كيلو غراما، وبعد التدريبات المكثّفة، حصلت على بطولة العالم بعدما رفعت 230 كيلو غراما وفزت في ثلاث بطولات عالمية في الأعوام 2010 و2014 و2022، إضافة إلى أولمبياد بكين وأثينا والبرازيل وطوكيو” يقول الجنيدي الذي يشير الى أنه “حصلت في هذه البطولات على مراكز متقدمة بين رابع وخامس أولمبيك”.
إلا أنه ومع هذا يشير الى شيء آخر ربما أكثر أهمية هو “الأثر النفسي الإيجابي الذي تركته الرياضة في نفسه، إذ أصبح أكثر اندماجا في المجتمع، أما من الناحية الصحية، فقد أصبح بدنه أكثر قوة وحيوية، فالرياضة بحسب اعتقاد الكثيرين هي مجرد نشاط ترفيهي، لكنهم يتناسون فوائدها الصحية الجمة خاصة لذوي الإعاقة لدورها الكبير في إدماجهم في المجتمع” يقول الجنيدي.
وبرغم هذه الإنجازات لم يخف الجنيدي التحديات التي واجهها في مسيرته الرياضية، منها كما يقول “ندرة الدعم المادي والمكافآت والامتيازات مقارنة بالآخرين. فالتكاليف المادية التي ينفقها الرياضيون ذوو الإعاقة على تدريباتهم أكثر بكثير من سواهم، لافتا الى إلى الكلفة العالية التي يتحملها الرياضي من ذوي الإعاقة لتغطية تكاليف الغذاء الصحي والمكملات الغذائية والتدريب”.

أما صقر الزيود، وهو من ذوي الإعاقة الحركية، فكان يحلم بالرياضة منذ صغره، لكن مخاوف المدرسة وإمكانات البنية التحتية الرياضية حالت دون إدماجه في هذا النشاط؛ فالقاعة الرياضية كانت في الطابق العلوي، ولهذا كان مضطرا للجلوس في الصف منتظرا عودة أقرانه من غير ذوي الإعاقة فضلا عن أن الرياضة كانت مقتصرة على كرة القدم فقط”.

كان الزيود يمني نفسه بالالتحاق بناد رياضي، إلا أن بعد النادي الوحيد عن منطقة سكنه في المفرق حال دون ذلك، إضافة الى أنه غير مهيأ لاستقبال حالته كما هي حال المواصلات، فأكب على تقليب الصفحات الرياضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة النشرات الرياضية للتخفيف من وطأة شغفه للرياضة وفي قلبه غصّة وحرقة لعدم ممارستها.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، “يوجد في أنحاء العالم أكثر من 1000 مليون شخص من ذوي الإعاقة يشكلون 15 بالمئة من سكان العالم تقريباً (أي شخص من كل 7 أشخاص)”، أما نسبة الأفراد ذوي الإعاقة في الأردن فتبلغ 11.2 بالمئة ونسبة الانتشار بين الذكور 11.7 بالمئة أعلى من الإناث 10.6 بالمئة بحسب التعداد العام للسكان والمساكن 2015، وتبلغ نسبة الإعاقة البصرية 6 بالمئة، و4.8 بالمئة للإعاقة الحركية و 3.1 للإعاقة السمعية.

ووفقا للمركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره الموازي الأول لتقرير الحكومة الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن الأردن يولي اهتماماً خاصاً لمشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الأنشطة الرياضية، إذ تم إنشاء اللجنة البارالمبية الأردنية عام 1981، ومن خلالها يمارس هؤلاء الأشخاص مختلف الأنشطة الرياضية، ويشاركون في البطولات الرياضية داخل المملكة وخارجها، وحصل الأشخاص ذوو الإعاقة على تكريم من أعلى المستويات في هذا المجال.

ويضيف التقرير: إن هناك مجموعة من الأندية تم إنشاؤها لهذه الغاية، إلا أنها غير موزعة على محافظات المملكة كافة، فضلا عن قلة الأماكن المخصصة لقضاء أوقات الفراغ من حدائق عامة، خصوصاً خارج العاصمة، إضافة إلى ندرة أماكن الترفيه المهيأة والدامجة للأشخاص ذوي الإعاقة.

يتبع……يتبع